مفهوم تواجد صانع السوق من عدمه يختلف باختلاف نوع السوق الذي يتم التداول به ، فكما يعلم بان هناك نوعين من الأسواق المالية ،فهناك السوق الكفء الذي تتوفر به المعلومات المالية الخاصة بشركاته بصورة واضحة ومتدفقة بحيث تنتقل هذه المعلومات من مصادرها بكل شفافية وسلاسة « وعدل» لجميع المتداولين ،وبالتالي تنعكس هذه المعلومات على حركة أسعار الأسهم بصورة مباشرة في السوق وبفارق زمني بسيط من اعلانها بحيث لا يستطيع البعض» المتلصص» استغلالها لمصلحته الخاصة بصورة كبيرة أو مؤثرة ! لذلك نجد ان أسعار الأسهم غالبا ما تكون قريبة من قيمتها الحقيقية ومتناسقة مع المعطيات المتوفرة ! كما أن هذا السوق يتميز بالملاءة المالية (توفر العرض والطلب باستمرار) كنتيجة طبيعية لتعدد المستثمرين المشاركين به، والذي يتميز من بينهم تلك المؤسسات المالية الكبرى المتنوعة والمرخصة رسميا والتي تشكل نواة رئيسية لتداولات السوق وبالعادة تتخصص تلك المؤسسات المالية بتداولات سهم معين أو مجموعة من الأسهم فتكون صانعة لسوق ذلك السهم أو تلك الأسهم. ومع تعدد تلك المؤسسات المالية المتخصصة في السوق وانتشارها بين القطاعات المختلفة ودرجة التنافسية فيما بينها وبين المستثمرين الآخرين فان ذلك يحد بصورة كبيرة من استحواذ جهة معينة على مجمل فعاليات السوق وبالتالي من سيطرتها على اتجاه السوق العام ! هذه المؤسسات المالية منفردة أو مجتمعة هي من يطلق عليها صفة صانع للسهم أو للسوق . لذلك يقال نظريا في الدول الرأسمالية ان في حال وجود انخفاضات أو ارتفاعات حادة بالسوق فان صناع السوق وقوى العرض والطلب كفيلان بإعادة التوازن له ولا حاجة للتدخل الحكومي به ! الا ان الواقع العملي أثبت عدم صحة هذا الأمر لوجود عدة ثغرات تنظيمية مفتقدة في النظام الرأسمالي يخص هذا المفهوم (خلاف بعض اوجه الفساد) وما حالات الافلاس التي تعرضت لها العديد من الشركات الغربية والتدخل الحكومي حينها بالسوق لحمايته من الانهيار إلا أكبر دليل ! «يمكن الاطلاع على مقال سابق تحت عنوان : الرأسمالية بين الاستدراك والتبصيم « أما السوق غير الكفء فتقريبا يقف على النقيض مع ما ذكر مسبقا فتجد ان من أهم صفاته عدم تدفق المعلومة الخاصة بشركاته بصورة عادلة بين المتداولين وتجد أن هناك من استغل المعلومة قبل غيره ! واستفاد منها قبل الغير لتحقيق مكاسب أو تجنب خسائر. وبالتالي أثر انعكاس إعلان المعلومة في الغالب يأتي متأخرا مقارنة بحركة السعر السابقة له أن لم يفقد تأثيره بالأساس! ولم يكن اطلاق جملة « بيع على الخبر « عبثية ! انما هي تعبير حقيقي عن الواقع الحاصل ! اما من ناحية الملاءة المالية للسوق( تواجد العرض والطلب المستمر) ففي الغالب تكون متواجدة إلا ان الأسعار والسيولة تميل للتذبذب الحاد ولا تسير وفق المعطيات الاقتصادية ؟! لسيطرة عامل المضاربة على السوق مضاف اليها افتقاد ثقافة الاستثمار والذي قد يكون من أهم مسبباته ( خلاف الأمور التنظيمية )عدم اطمئنان المتداول نتيجة لما يراه من تذبذب حاد بأسعار الأسهم دون مبرر حقيقي ! يا ترى ما هو سبب هذه العبثية بتداولات هذا النوع من الأسواق وتذبذبها الحاد ونحوها ناحية المزاجية والانتهازية ؟! الأسباب متعددة إلا أن افتقاد عنصر صانع السوق هو أحد أهم تلك الأسباب ! لذا يمكن القول إن اغلب أسواق المنطقة العربية المالية تندرج تحت مسمى الأسواق غير الكفؤة ! لو أخذنا الأسواق الخليجية كمثال شاخص وعطفا على الواقع الماثل فان من يقوم بتوجيه دفة الاتجاه العام للسوق بها بصورة رئيسية هي الأذرع المالية للحكومات ! وذلك لسبب بسيط بان تلك الأذرع هي من تستحوذ على الحصة الأكبر من الأسهم المؤثرة على اتجاه المؤشر العام لتلك الأسواق وقد يكون هناك مبرر منطقي في هذه المرحلة كون جل هذه الأسواق هي أسواق ناشئة «وبعضها يتطلع لمرحلة قادمة ليصبح سوقا صاعدا» ومن الواجب حمايتها من أي جهة قد تتلاعب بمسارها في حالة لو تركت بأيد الغير !. إلا ان هذا الأمر يجب ان لا تتم الاستدامة به ( وذلك بإتاحة الفرصة تدريجيا لتكوين المؤسسات المالية المتخصصة لتصبح صانعا للسوق وبضوابط لا تتيح فرض الهيمنة على السوق من جهة واحدة) لأنه يخالف منهجية الأسواق الحرة وتنظيماتها والعدالة المطلوبة في اتاحة الفرص المالية المتساوية للجميع ، كما انه يعني ان هناك جهة قطبية « الاذرع المالية الحكومية وشبه الحكومية «هي المسيطرة وبصورة رئيسية على اتجاه السوق ! وباستطاعتها التحكم به والانفراد بمكاسبه مقارنة بالاخرين وهذا يمثل أحد صور عدم العدالة بلا شك! بين الفترة الانتقالية (المستوجبة) من سطوة الاذرع المالية الحكومية على مجريات السوق والانتقال التدريجي نحو السوق الحر» بإنشاء مؤسسات مالية صانعة للسوق « فعلى تلك الاذرع الحكومية مسؤولية اقتصادية ووطنية ومهنية واخلاقية هامة وان لم تدرج علانية في سياق تأسيسها « لتحفظات نظامية عالمية بقواعد إنشاء الأسواق المالية « بأن تكون هي بمثابة صانع سوق حقيقي وطني « كإدارة وليس وصفا « تحافظ على توازنه ضمن المعطيات الاقتصادية المتواجدة وتبعد عنه أي مؤثرات غير مبررة (وما اكثرها) من شأنها ان تفقد الثقة به ! « وتستطيع أن تقوم بذلك دون أي خرق قانوني مالي فالبيع والشراء متاح لها وسبق ان تدخلت بالسوق لمصلحة حكومية انيطت بها فلا عذر بذلك بعدها « وايضا يجب ان لا تكون اداة انتهازية لتحقيق مكاسب ربحية على حساب منافسة المتداول وخسارته ؟! فهذا ايضا ليس من مهامها التي انشئت من اجلها ! حين يتحقق ذلك ستكف الألسن والغمز واللمز أو التصريح بان تلك الاذرع المالية الحكومية هي المستفيدة دوما من المشهد العام وبإرادتها دون المواطن . فهل يعمل على ذلك؟ عين على الله ثم عين على الوطن ومواطنيه تتحقق الديمومة المرجوة. Twitter:@sabah_alturki