الأسواق المالية هي الوجه الحضاري الحديث لاقتصاديات الدول ذلك أن تطور الأسواق المالية مرتبط بالتطور الاقتصادي الذي مرت وتمر به معظم دول العالم خاصة الصناعية منها. والأسواق المالية لها وظائف اقتصادية قد لا تكون واضحة لدى العديد من الناس على الرغم من أنها تمثل حلقة الاتصال بين القطاعات المختلفة في المجتمع وهذا يعني ما بين المدخرين والمنتجين.. فالمدخرون بحاجة إلى توظيف مدخراتهم في مشروعات أو استثمارات مربحة والمنتجون بحاجة إلى المال لضمان الاستمرار وبالتالي الربحية.. أي أن هذه القطاعات تتكامل فكل منها يعتمد على الآخر لذلك فإن وجود سوق المال يعتبر أداة هامة لتوفير وتقديم المال للأنشطة المختلفة وذلك من خلال الدور الأساسي لكل مؤسساته المالية. ويقصد بسوق المال جميع الوسطاء والمؤسسات المالية المختلفة بالإضافةإلى سوق النقد.. وعادة ما ينصرف مفهوم سوق المال إذا أطلق بدون تحديد إلى سوق الأوراق المالية أي الأسهم والسندات وهذا هو المفهوم الضيق لسوق المال ويطلق عليه البورصات. وعلى العموم فإن تطور البورصات أو أسواق الأوراق المالية يرتبط بالتطور الاقتصادي والصناعي كما أشرنا سابقاً.. وأهم البورصات العالمية هي بورصات الدول الصناعية المتقدمة، وبورصات الدول الصناعية الجديدة ومن الناحية الجغرافية يمكن تقسيم هذه البورصات إلى: 1 - البورصات الأمريكية: حيث تحتل الولاياتالمتحدة المركز الأول من ناحية التقدم في أسواق المال حيث يوجد أكبر عدد من الشركات المسجلة في قوائم الأسعار بالبورصة وخير شاهد على ذلك ما هو موجود في وول ستريت ومجلس شيكاجو للتجارة. 2 - البورصات الأوروبية: وتشمل بورصات لندن، وباريس، وامستردام والبورصة الألمانية بالإضافة إلى عدد من البورصات الصغيرة في كل من استوكهولم وأوسلو وهلسنكي وزيورخ وجنيف وميلانو ومدريد. 4 - البورصات الآسيوية: وأهمها بورصتا طوكيو وهونج كونج بالإضافة إلى ذلك هناك بورصات جديدة ومن أهمها بورصات ماليزيا، الصين، الهند، الفلبين وكوريا، وباكستان، وتركيا. مما تقدم يتبين لنا أهمية وجود البورصة فهي في الواقع تؤدي وظيفة اقتصادية هامة لكل من المنشآت المصدرة للأوراق المالية والمستثمرين في تلك الأوراق فهي تجمع بين البائع والمشتري في مكان واحد مما يساعد على سهولة تداول الأوراق المالية وتوفير معلومات عن مركز الشركة المالي وحالة الطلب و العرض على أي ورقة مالية وكذلك اتجاه الأسعار. وهذا يعني أن التداول يتم برؤية تكاد تكون واضحة ذلك أن انخفاض الأسعار أو ارتفاعها وما يعكسانه على المؤشر يتم في الغالب بصورة مبررة وطبقاً لحسابات وتوقعات تأتي من مصادر رسمية مثل رئيس البنك المركزي وغيره حيث يتم الإعلان عن أوضاع البطالة والقوة الشرائية وأسعار الفائدة وأرباح الشركات وغير ذلك من الفعاليات بصورة دورية ويتناقلها المحللون الاقتصاديون ناهيك عما يتم نشره من أخبار وتحاليل يستضاف فيها خبراء ومخططون استراتيجيون ومستشارون ماليون بالإضافة إلى عشرات النشرات والمؤلفات التي تشرح تطور السوق وكيفية التعامل معها.. كل تلك الأمور تساعد المستثمر والمضارب على اتخاذ القرار الصائب والسليم وإذا ما قارنا ذلك بما يتم في سوق الأسهم المحلية نجد أن البون شاسع حيث لا توجد في الغالب شفافية عن سبب الارتفاع ولا عن سبب الانخفاض إن حدث الا شائعات يقوم بعض من يتلاعبون في السوق بإشعالها عندما يريدون البيع أو الشراء.. ولا يتوقف الأمر عند ذلك فقط بل الأدهى والأمر أن الذي يقوم بتحليل أسباب التذبذب السريع في أسعار الأسهم يبحث عن أي مبرر يقوله حتى ولو كان ظاهريا وهامشيا والبعض يلصق ذلك بما يسمى بالهوامير أي الذين يملكون السيولة المالية ويملكون أكبر عدد من الأسهم وبالتالي يتحكمون بالسوق من خلال العرض والطلب وهنا يجب أن نسأل أين هيئة سوق المال وخبراؤها ومخططوها وأين الضوابط التي تمنع مثل هؤلاء من اللعب بمقدرات الناس ومدخراتهم. نعم إن سوق الأسهم يتذبذب صعوداً ونزولاً ولكن بنسب مقبولة.. فالأسواق العالمية يتراوح التذبذب اليومي في حدود أقل من 1 وإذا تعدى ذلك بكثير فإن هذا يعني أن هناك مصيبة حلت مثل أحداث 11 سبتمبر أو غيرها. وهنا يحدث في الأسواق العالمية بين الحين والآخر لكن في كل حالة يوجد مبرر منطقي أما في سوق الأسهم المحلية فإن نزول السوق بنسبة 6,5 في يوم واحد كما حدث في الأسبوع الماضي فهو غير مبرر ولا أحد يدري ما هو السبب وليس هناك متحدث باسم هيئة سوق المال يصدر بياناً يبين السبب.. ناهيك عن التسرع في اتخاذ بعض الخطوات والتسرع في التراجع عنها ولا يتعلق الأمر في الانخفاض المفاجئ بل يتعداه إلى الأسباب الكامنة في ارتفاع بعض الشركات إلى أسعار خيالية وتداول شركات شبه خاسرة وبأسعار خيالية أيضاً.. نعم نفهم أن ترتفع أسعار أسهم الشركات الربحية إلى حد يصبح فيه معدل الفائدة المدفوعة على سعر السهم السوقي في حدود أسعار الفائدة العالمية المتداولة أما إذا قلّت عن ذلك فإن هذا يعني شيئا آخر يجب أن لا يسمح به. هذا عن سوق الأسهم والتذبذب غير المقبول فيه فما بالك بالإصدارات الجديدة التي تطرح للاكتتاب العام والتي يستحوذ فيها المؤسسون على نصيب الأسد من رأس المال ويطرح الفتات للاكتتاب العام وكأن المقصود من ذلك هو تملك هذه المؤسسة أو تلك من قبيل عدد محدود من المستثمرين وأن عملية طرح الفئات من الأسهم لا يعدو أن يكون وسيلة لكي تصبح هذه المجموعة أو تلك أكثر ثراء وأن يصبح المشروع على المدى الطويل تحت سيطرتهم وبدون ثمن.. وأعني أن طرح عدد قليل من الأسهم للاكتتاب العام يجعل عدد الأسهم المخصصة لكل مكتتب محدوداً جداً كما حصل في اكتتاب شركة اتحاد اتصالات وشركة صحراء للبتروكيماويات وبالتالي يصبح سعر السهم مرتفعاً والمالك لتلك الأسهم القليلة يقوم ببيعها بسهولة مما يمكن المؤسس أو غيره من جمعها ناهيك عن أن المؤسسين يستطيعون بيع جزء من حصصهم بأسعار خيالية عندما تستوفى المدة النظامية لذلك وبذلك يستعيدون رؤوس أموالهم أضعافا مضاعفة وتبقى الشركة تحت سيطرتهم. إن عملية الاكتتاب الحقيقية تعني أن يطرح أغلب رأس المال للاكتتاب العام ويترك جزء جيد منه للمؤسسين ويعطى المؤسسون أيضاً بعض المميزات الأخرى التي تحفزهم للاتجاه إلى هذا الاستثمار أو ذاك وذلك مثل علاة الإصدار أو غيرها من الحوافز. إن من أهم الفوائد المترتبة على الخصخصة أو طرح شركات جديدة للاكتتاب هو أن يستفيد أكبر قدر ممكن من أبناء المجتمع من تلك الفعاليات الاقتصادية خصوصاً ذوي القدرات المالية المحدودة وذلك حتى لا يبقى المال دولة بين الأغنياء فقط.. إن رفع مستوى الدخل سوف يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة وما يترتب عليه من فعاليات اجتماعية كثيرة ومهمة يجب علينا أن نمعن النظر فيها ونعمل على تشجيعها لما لها من انعكاسات أمنية وتعليمية وثقافية وغيرها مما لا يمكن حصره هنا. وعلى العموم فإن هناك كثيراً من المفارقات غير المفهومة خصوصاً لمن هو خارج دائرة الاختصاص والذي لا يجد الإجابة الشافية ممن يفترض به أن يكون داخل دائرة الاختصاص ناهيك عن أن أغلب التحاليل والتوقعات لا تستند إلى مبررات وثوابت مقنعة فأغلبها إما مستقى من الأخبار العالمية أو تمثل آراء اجتهادية لمن يقدمها وعلى العموم فإن من أهم الملاحظات التي تزعج بعض المتعاملين في سوق الأسهم ما يلي: 1 - انخفاض أسعار الأسهم في بعض الأوقات التي كان من المتوقع أن ترتفع فيه وذلك مثل قرب توزيع الأرباح نصف السنوية أو نهاية السنة المالية كما هو حادث هذه الأيام ناهيك عن تجاهل سوق الأسهم لوجود فائض كبير في ميزانية الدولة لهذا العام والذي يعتبر من أكبر العوامل المؤثرة في الدول الأخرى. 2 - عدم تجاوب السوق في بعض الأحيان مع إعلان بعض الشركات أرباحا مجزية وتجاهل السوق لوضع بعض الشركات المتعثرة وهذا فيه اجحاف في حق الطرف الأول، وتشجيع للطرف الثاني على تعثره. 3 - ارتفاع السوق في بعض الأوقات التي يتوقع أن يكون السوق فيها هادئاً إلى مستقر وذلك مثل الفترات التي تلي الانتهاء من توزيع الأرباح والأسهم المجانية إن وجدت وكذلك في فصل الصيف. 4 - تلعب الشائعات دوراً كبيراً في رفع أسعار بعض الأسهم وخفض أسعار بعض الأسهم الأخرى وذلك بسبب غياب المعلومة الصحيحة الموثقة وغياب الشفافية من قبل الشركات المساهمة وتسرب بعض القرارات قبل صدورها بوقت طويل. وعلى الرغم من أن هناك جهودا تبذل لتنظيم فعاليات سوق المال السعودي والتي انعكست من خلال نشر الأنظمة واللوائح التي تحكم التعامل بين جميع الأطراف وعلى الرغم من أن تلك الأنظمة تعمل بها أغلب الأسواق العالمية المتقدمة إلا أن مناخ السوق المحلي يحتاج إلى تهيئة قبل تطبيق تلك الأنظمة والقرارات خصوصاً أن أسلوب التعامل في السوق يختلف عن الأسلوب المتبع في الأسواق العالمية ومن ذلك ان 07 من الأسهم يملكها عدد محدود من الأفراد والصناديق الاستثمارية في البنوك وهذا هو الذي يجعل مثل هؤلاء يتحكمون في السوق على حساب غيرهم. ومن ذلك كله نقول ان تذبذب سوق الأسهم بصورة كبيرة يترتب عليه خروج عدد كبير من المتعاملين في السوق بينما الحاجة تتطلب زيادة عددهم وذلك لصنع سوق مالية واعدة خصوصاً أن سوق الأسهم في المملكة هي أكبر الأسواق العربية على الإطلاق وذلك تمهيداً لما هو مخطط له من إنشاء البورصة السعودية التي ينتظرها الجميع ولكن ضمن ضوابط وشروط تكفل عدم استئثار فئة محدودة على السوق والتحكم به. أما أسلوب طرح الاكتتابات الجديدة فيجب أن يعاد النظر فيه بحيث تكون نسبة الأسهم المطروحة للاكتتاب لا تقل عن ستين بالمائة على الأقل.. وفي كل الأحوال فإن الشفافية والوضوح ووجود جهة مسؤولة تصدر بيانات توضيحية بصورة دورية تبين الوضع الحالي للسوق وأهم العوامل المستجدة التي يمكن أن تؤثر فيه وأن يتم تبرير أي صعود حاد أو هبوط حاد من قبل تلك الجهات وذلك حتى يثق المستثمر بالسوق وبالتالي يقبل عليها ناهيك عن توسيع دائرة السوق لتشمل بالإضافة إلى الأسهم فعاليات أخرى تقع ضمن نطاق اختصاصه وتفتح أمام المستثمر آفاقاً وأبواباً جديدة لاستثمار مدخراته بصورة آمنة نسبياً. وعلى العموم فإن وضع ضوابط محددة للسوق تمنع عملية التذبذب الحادة أصبح أمراً ملحاً خصوصاً في ضوء محدودية ثقافية السوق لأغلب المتعاملين في السوق وبالأخص المستجدين منهم ناهيك عن وجود أسلوب تحكم أكثر انضباطا يحد من عملية العروض الكبيرة والمفاجئة التي يكون الغرض منها العمل على نزول السوق، كما أن خفض نسبة التغير لسعر السهم من 01 في اليوم إلى 5 سوف يكون لها أثر كبير في استقرار السوق وإبطاء أو منع عملية الهبوط الحادة أو الصعود الحادة.. ناهيك عن تعليق تداول أسهم الشركات المتعثرة أو الخاسرة حتى تتمكن هذه الشركة أو تلك من تحسين مستواها ومن ثم العودة إلى السوق ليس هذا فحسب بل إن اشتمال لوحة التداول على أسعار الأسهم الاسمية والدفترية وكذلك نسبة الربح التي حققها السهم خلال السنتين السابقتين له أهمية كبيرة في جعل البائع والمشتري على دراية بما هو مقدم عليه. نعم الكل يعرف الصعوبات المترتبة على ذلك لكن كما يقول المثل «آخر الدواء الكي». والله المستعان..