من شبابنا من لايريد أن يعمل، وهناك من يريد ولكن في وظيفة «ميري» تكسبه مهابة وسلطة والقليل من الضغوط ودواما ليس فيه إجهاد، ليحتفظ بأكبر قدر من ساعات النهار للترويح عن نفسه وإراحتها بالنوم والترويح عنها بقضاء أطول ردح مع «الربع». وهناك من يريد أن يعمل في أي وظيفة تدرّ راتباً لمساعدة أسرته ولتغطية مصاريفه، لكن هناك - كذلك - من يريد أن يغامر بالعمل لحسابه وليس للآخرين، فيتطلع لإنشاء عمله الخاص عسى أن يجني منه دخلاً يتعاظم كل يوم ليصبح نجاحاً مالياً واجتماعياً مدوياً. كيف تعرف من أي الفئات أنت؟ ابحث في ذاتك؛ هل أنت ممن ولد ليصبح موظفاً ينتظر الراتب أخر الشهر وينتظر ساعة بداية الدوام وساعة انقضائه؟ أم أنكَ ممن يريد أن يغامر بتأسيس باب رزق؟ البون شاسع بين التوجهين ولعل معرفة الشاب لأي توجه يميل يصرف من أمامه الكثير من الخيارات ويكفيه التشتت. ورغم أهمية هذا السؤال إلا أننا لا نسأله لليافعين، وحتى إن سألناهم فذلك لن يكون في حد ذاته كافياً، إذ لابد من تأهيل الشاب أو الفتاة قبل أن يكون بوسعه أو بوسعها معرفة هدفه من حياته العملية بوعي وإدراك، بل يبدو أننا لا نعرض فكرة العمل والانتاج وإضافة القيمة على اليافعين مبكراً بما فيه الكفاية وإن عرضناها فنعرضها ممجوجة مشوهة. فمثلاً نحن نتحدث فيما بيننا ونحدث أبناءنا وبناتنا عن أهمية الاعتماد على النفس والابتعاد على الاتكالية، لكن نجد أن البيوت تعج بالخدم فلا يتحرج طفل صغير أن ينادي العاملة المنزلية لتجلب له كأس ماء من المطبخ أو علبة المناديل على بعد أمتار قليلة! ولا يحرص الكثيرون على الدفع بأبنائهم للعمل في العطل المدرسية، بل المؤسف أن من الآباء والأمهات مَنّ يعارض تلك الفكرة معارضة تامة بقوله: لسنا بحاجة للكم ريال، أو : لن يعمل ولدي عند أو تحت فلان! وما إلى ذلك من تبريرات مشبعة بالأنفة الفارغة. وهي أنفة فارغة كونها نسفت كل ما يمثله العمل من قيمة واستقلالية وسعي للاعتماد على الذات وابتغاء النفع للمجتمع. وعلى الرغم من إقرارنا بأن العمل ليس أجراً فقط، لكن يبدو أن هناك شريحة لا بأس بها من المجتمع تقرن العمل بالأجر ولا تأبه بأي شيء آخر، رغم أن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحاً. أعود لأقول: إنه ونتيجة لتأخرنا في دفع أبنائنا للعمل مبكراً ولعرضنا المشوه نجد أن عدداً منهم أصبح يعتقد - مخطئاً - أن هناك أعمالا محترمة وأخرى ممتهنة لا تليق به، وأنه لكي يحظى باحترام المجتمع عليه أن يحصل على وظيفة «محترمة». والخطورة هنا أنه تعلم أن يزدري أناسا لم يرتكبوا أي جرم أو فرية سوى أنهم امتهنوا أعمالاً مشروعة يحتاجها المجتمع! لذا، ينشأ مفضلاً المكوث عاطلاً يأخذ مصروفه من والديه رغم بلوغه من العمر عتياً في انتظار الوظيفة «المحترمة».. لماذا؟ لعل أحد الأسباب أننا زرعنا في ذهن الابن أن الأهم هو «الهالة» و «برستيج» الوظيفة وما تولده من انطباع «مهيب» في أعين المجتمع، متناسين أن ما سيوصله للنجاح هو ما يجيده وما يستطيع الشاب الالتزام به وتنفيذه وليس فقط الطموح العريض وعُقدّ «الأنفة والعظمة». كثير منا لا يدرك أنه يزرع آفة في عقل ابنه فيقضي بقية حياته ليس باحثاً عن عمل، بل عن عمل «أبهة» باعتبار أنه «أرفع» من الآخرين ليس بسبب ما ينتجه هو ، بل بسبب ما ينتجونه هم! @ihsanbuhulaiga :تويتر