التقادم حقيقة ثابتة لاي انتاج بشري وخصوصا الانتاج الفكري. فالافكار تتقادم لان ادواتها تتطور ومنهجية التحقيق و البحث عرضة للتحول. ان البحث العلمي الذي خلق هذا الركام الهائل من الانتاج الانساني (المعرفة) تطبيقية وانسانية يشهد التحول في الفهم والتطبيق ولولا ذلك لاصبح الانسان كالجمادات من حوله. التراث الذي يشكل الارث الحضاري الانساني لأي أمة هو انتاج المجهود الفكري البحثي الذي يشكل فهم الامة وممارستها في ادراكها لقيم الدين و تفاصيله العقدية والشرعية. التراث يمثل هوية الامة ويشكل وجدانها ويرسم شخصيتها. وبالتالي فالامة الخانعة المشتتة تركن لتراثها النزاعي والامة التي تقتحم ميدان الحضارة وتحتل قطب الرحى منه أمة اعتصمت بذلك الحبل من تراثها الحي الواعي و بهذا فان عملية التحقيق ذات صلة بمكونات هوية الامة وشخصيتها ومن أهم المبررات في إعادة قراءة التراث الفكري للامة لتنقيحه وبعث روح المعاصرة فيه. وحول هذا الامر الخطير الحيوي يحتدم الصراع. و يثار هذا الجدل في محورين اساسيين حول اسلوب تنقيح التراث واحيائه ودوافعه. المحور الاول يؤكد على الحساسية المستفيضة للخوض في هذا الامر لما يشكل من عواقب وخيمة على الكيان الفكري للامة و السلامة تقتضي حصر البحث والتحقيق في دوائر المؤسسات العلمية وحلقات البحث التخصصي. و الابتعاد عن اقحام الناس فيه. و يشدد المحور الآخر على اهمية اشراك الجماهير في المراجعة باعتبار فوائده وثماره تصب في إعادة تشكيل عقل الامة. واما الحد المتفق عليه بين الطرفين ان ادوات التحقيق يجب ان تبقى في دوائر البحث العلمي وشروطه. ان الداعين للمحور الاول صنفان، اقلية تخشى إثارة الفتن والزلزال الفكري الذي يخلقه هذا الشكل من البحوث لاسيما وان الاغلب من الناس هم عوام بسطاء يتعاطون مع قضاياهم الفكرية بالعاطفة. و اما الاكثرية فتتشكل من ذلك التيار الذي يخشى الجديد و ما يصحبه من انقلاب يعصف بمواقعهم التي تأسست وترسخت لردح طويل على اركان الفهم السائد. ان قراءة تاريخ التحقيق العلمي للتراث يؤكد ان المصلحين الاحيائيين للتراث المندثر مارسوا هذا الخيار عبر مطارحات و مناقشات علمية في دوائر اختصاصهم الا ان الاغلب الاعم من هذه المشاريع واجه الوأد ناهيك عما تعرض هؤلاء من زملائهم من اشكال المواجهة. واما المشاريع الاصلاحية التي وجدت طريقها للمشاركة العامة رغم ما خلقته من صدمة الا انها استطاعت ان تخلق تيارا فكريا كان له الاثر البالغ في حركة تصحيحية تلت تلك المرحلة. فالاغلب الأعم من المشاريع الاصلاحية الاحيائية واجهت الصدود والمحاربة من دوائر الاختصاص لتخرج للعيان كمخرج من عصبية العقول الجامدة والنفوس الضيقة. و لعل من اهم المبررات التي يرتكز عليها محور البحث في التراث عبر اشراك الامة ومن خلال شراكتها منها ان البحث العلمي التخصصي مآله دفن المشروع في كتاب او بحث على رفوف المكتبات. فلم يحدث في تاريخ الاصلاح الانساني ان يتفرد كتاب في خلق حركة اصلاحية الا اذا اردف بحركة فكرية مصحوبة بمشاركة اجتماعية عامة. ان السير التاريخي لبناء الانسان واصلاحه تشير بوضوح الى دور المصلحين بتوجيه الخطاب المباشر للجماهير دون حواجز واما الاغلب الاعم من مناقشاتهم مع الدوائر الخاصة قد انتهت بالفشل. ان حركة اصلاح التراث و إعادة قراءته ليست عملية بحثية وانما هي حركة اصلاحية احيائية لبعث العقل الراكد و النفوس التي ركنت الى قراءات تآكلت مع الزمن وسقطت في معركة المواجهة الحضارية. ان حركة اصلاح التراث واعادة قراءته هي حركة اصلاحية انسانية طبيعية لاعادة بناء عقل اجتماعي متوافق ومسلح بكفاءة المعاصرة و المناعة من التقادم. [email protected]