يوم الأحد الماضي الموافق الثاني عشر من أغسطس صادف الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الفنان طلال مداح رحمة الله عليه. ذلك اليوم طفى على بحر ذاكرتي كثير من أغاني الفنان الراحل، ساعد في ذلك أن أكبر كم من الأغاني أحفظها لفنان من نصيبه هو. إلاّ أن أغنية خضراء من تلك الأغاني لم تطف على سطح بحر ذاكرتي مع بقية الأغنيات، وإنما تسلّقت صاريات السفن الشراعية في ذلك البحر،وحبال الأشرعة،إلى أن أصبحت «بيرقاً»يرفرف في السماء رسم عليه سيفان ونخلة ، «وطني الحبيب» أصبحت علماً موحّدا لتلك السفن! تسيّدت تلك الأغنية سماء ذاكرتي في ذكرى رحيل الفنان ! أينما ذهبت في أرجاء البيت وأنا أتخيّل الصور المعلّقة على جدران البيت والصور الموضوعة قرب الأسرَّة في غُرف النوم ينبت من مسامات خشب براويزها ذلك العشب الذي طفا على بحر ذاكرتي أغنية خضراء..ملأتني ذلك اليوم للدرجة التي أصبحَت عيناي خضراوين يومها ويداي! رأيت الجدران حولي والتي هي رماديةٌ أصلاً.. خضراء.. وكذلك الشبابيك! رأيت الرمال الحمر والتي هي أغنية يغنّيها الرعاة من فرط الجفاف..خضراء أيضاً! ويدي السوداء من فرط البياض..خضراء كل ما حولي في ذلك اليوم يختال بثوبه الأخضر بفضل تلك الأغنية، كانت خطواتي تقفز عتبات درج البيت كغزال غير عابئ بجراحه التي تنزف دماً أخضر، تقفز بخّفة ورشاقة تشبه تماماً بداية الموسيقى في تلك الأغنية إلى أن يُبطىء جموحها طلال مداح حين يسيّل صوته نغما عذباً يعيد لنخلة اسمنتيةٍ إحساسها الأخضر حين يصب في سمعها:وطني الحبيب وهل أُحِبُّ سِواه! تلك الأغنية حاصرتني ذلك اليوم،وملأت جيوبي باللون الأخضر، لم تكن لي في ذلك اليوم مجرد أغنية،كانت صلاة استسقاء خضراء للسماء أطلقها «صوت الأرض» وهو لقب اختاره الجمهور للفنان الراحل، وطني الحبيب.. منديلٌ أخضر، رسالةُ عشق كُتبت بالعشب، حاملها الندى! «وطني الحبيب ..وهل أحب سواه» «روحي وما ملكت يداه» حتى الآهة التي أنزفها من عيني أحياناً حين تُطربني أغنيةٌ ما،كانت تلك الآهة تتناثر من روحي حبات زمرد! فاضت يداي يومها به..! أرميه عالياً وأثناء سقوطه أحاول جمعه ورميه عالياً ثانيةً،وأكرّر ذلك، وكأنما أنا ذلك اليوم طفل يشارك طفلاً ما لعبته،أرميها عالياً والطفل الآخر يحاول التقاطها ،ونكرر ذلك معاً في ذلك الزمرد! وطني الحبيب.. يرددها صوت الأرض في تلك الأغنية طوال ذلك اليوم في ذاكرتي .. أينما ذهبت في أرجاء البيت وأنا أتخيّل الصور المعلّقة على جدران البيت والصور الموضوعة قرب الأسرَّة في غُرف النوم ينبت من مسامات خشب براويزها ذلك العشب الذي طفا على بحر ذاكرتي من أغنيات الفنان طلال مداح في ذكرى رحيله. كلما طرأت تلك الأغنية في ذاكرتي يتوقف حالاً كل ما بي عند جملة «وطني الحبيب» كلما أضاءها صوت الأرض طوال ذلك اليوم،لأعود للأغنية حين «يلثغ» جملة أخرى! أما المسافة بين الضوء واللثغة ،كنت أجفّف خلالها حبّات الزمرد تلك التي تقع في الماء عند قدمي حينما لا يلتقطها الطفل الآخر والذي يشاركني لعبتي حينما كنت أرميها إليه،ثم أكرّر رميها مناديا عليه لعلّه يلتقطها:» هل تسمعني؟!».. وطني الحبيب!