بعض القضايا الدينية من الحساسية الفقهية بما يجعل مناقشتها تفتيتا لقيمة الرأي الديني والفتوى، ولذلك نشأت المؤسسات الدينية ..أو لنقل « المتخصصة » التي تتعامل مع تلك القضايا بمنظور بحثي وعلمي ومنهجي يستوفي كافة جوانبها ؛ ليصدر بعد ذلك الرأي المحكم الذي تتشاور فيه العقول وتستند الى المرجعيات الفقهية اللازمة، على نسق هيئة كبار العلماء ، والمجالس العليا للفتوى في الدول الإسلامية؛ لأنه حين يضطرب العلماء ويرتبكون في إصدار الآراء فإنهم يربكون العامة ويجعلون القضايا تفتقد قيمتها الشرعية ، وقد يقفز من يقفز في زحام الاختلاف ليتصدوا الى الفتوى وإطلاق الأحكام. انني أشفق على طلابنا الذين يأخذون جرعات فقهية أكبر من مستوياتهم الإدراكية وتهيئهم لما ليسوا أهلاً له، فالمسألة برمتها عبارة عن تلقين وتوجيه دون إمكانية النقاش أو الجدل، فالحوار العقلي مطلوب في الدين، وقد ذكر القرآن الكريم في مواضع بالمئات قيمة العقل ودوره في هذا الدين ولعل من أخطر القضايا حساسية تلك التي تتعلق بتعليم وتربية الناشئة، لأنهم يتلقون دون تدبر كاف ، ويتعاملون مع الآراء والأحكام بصورة قطعية ترسخ في فكرهم، وتكوّن صورة عقلية شبه نهائية، وذلك لأن فقه الواقع مفتوح على مستجدات الدنيا وأحوال العباد التي تتغير بتغير الزمن والطباع والسلوك البشري، وقد قال رسولنا الكريم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» ما يعني أن هناك فسحة لتقدير مجريات الواقع بحسب الأصول الدينية والثوابت، بينما المتغيرات فهي لأهل العلم والرأي الفقهي، ومن ذلك ما ذهب إليه المستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط الدكتور صالح اللحيدان من أن المعلومات الواردة في درس «الجهاد» بمادة الفقه لطلبة المرحلة المتوسطة «مجملة تحتاج إلى تصحيح وللحقيقة حين قرأت هذا التصريح تداعى الى ذهني تلك المقولة «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي» وهناك كثير من مسؤولي التعليم والنخبة كانت لهم مرئياتهم حول المناهج الدراسية ودعوا الى إعادة النظر فيها، وحين يتطلب الأمر معالجات في مسائل فقهية كبيرة مثل « الجهاد» وفي مرحلة مبكرة بالنسبة للطلاب، فيبدو الأمر جللا، ولأني لست فقيها أو حتى مجتهدا، وإنما مسلم يعلم الضروري والمسائل مناط التكليف، فإنني أشفق على طلابنا الذين يأخذون جرعات فقهية أكبر من مستوياتهم الإدراكية وتهيئهم لما ليسوا أهلاً له، فالمسألة برمتها عبارة عن تلقين وتوجيه دون إمكانية النقاش أو الجدل، فالحوار العقلي مطلوب في الدين، وقد ذكر القرآن الكريم في مواضع بالمئات قيمة العقل ودوره في هذا الدين، وحين نعطل العقل ونطلب التسليم بكل شيء فلا بد أن يأتي النتاج معطوبا ومشوها، لا يحسن الموازنة بين الأمور، والإفراط والتفريط، فيكون الحصاد بين غلو إقصائي وتفريط عابث وجاهل وفاسق. كان اللحيدان في تصريحه متواضعا ورزينا في تعليقه على القضية، بما يضيف الى التصريح مزيدا من الموضوعية والمعقولية التي تجعلنا ننحاز الى رأيه، فهو قال إنه «بعد أن عُرض علي منهج الفقه بصفة شخصية، وجدت أن من الضروري إعادة تصحيح بعض ما ورد فيه، وأن تُعرض المواد الشرعية والثقافية فيه على اختصاصيين لوضع الضوابط، لأن الذين يقرأون المادة من غير الطلاب تكون لديهم تساؤلات عن سبب هذه الأدلة، وكذلك لم تُذكر آيات الدفع والطلب، ولم تورد كثير من الأحاديث وتمّ الاستدلال بآيات منسوخة» وقال إن الطلاب الذين يقرأون هذه المادة ستكون لديهم أسئلة تجعلهم يتجهون إلى أشخاص لا يفهمون حقيقة « الجهاد» وشروطه وضوابطه، التي أوضّح أن من أهمها إذن ولي الأمر وموافقة الوالدين، «فينطلقون من منطلق جاهل أو عاطفي أو متكلف» وأوردت صحيفة «الحياة» التي نشرت التصريح تعليق المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الأستاذ /محمد الدخيني الذي أوضح أن تأليف المناهج الدراسية يتم عبر لجان متخصصة وتجري مراجعتها قبل تطبيقها، وهذه المناهج خضعت للتجريب ثلاثة أعوام ، ثم جرى تعميمها على مدارس التعليم العام، ولكني للأسف أجد أن الأمر يتطلب الدراسة وإعادة النظر بلجان أكثر دقة ودراية ؛ لأن الضرر واقع لا محالة في ظل رؤية الوزارة التي عبّر عنها المتحدث الرسمي. maaasmaaas@ تويتر