الرياض – منيرة الرشيدي المهيزع : بعض الفتاوى تثير السخرية لتشددها أو غرابتها أو مخالفتها للمنطق العام ظهور بعض النجوم في الفتوى واشتهارهم جعل البعض يقدس آراءهم الرديعان: أفراد المجتمع يميلون الى أخذ العلم من الرأس وليس من القرطاس القنوات الفضائية تجارية وتميل إلى استقطاب الشيوخ المتساهلين في فتواهم أحدثت القنوات الفضائية التي تعددت في السنوات الأخيرة وازدادت برامجها الدينية المتنوعة وتصدت لطرح الفتاوى العامة والخاصة، لغطا كبيرا بين العلماء وعامة الناس، وفيما يرى العديد من الناس أن تعدد الفتاوى يعد من النعم التي أفاءها الله على الأمة الإسلامية، حيث إنه من خلالها يتعلم المسلمون دينهم ويتلقون الأحكام التي يجهلونها، ويسترشدون بآراء العلماء في بعض القضايا، وما يشْكل عليهم من أمور دينهم وعقيدتهم ومعرفة أحكام الشريعة. بينما يرى آخرون أن انتشار القنوات الدعوية وبرامج الإفتاء قد يؤدي إلى بعض المشكلات سواء في الفتاوى العامة أو الفتاوى الخاصة. فتاوى متشددة ناصر المهيزع يرى عميد كلية الآداب والعلوم بجامعة سلمان بن عبد العزيز في وادي الدواسر الدكتور ناصر محمد المهيزع أن ظهور القنوات الفضائية المتخصصة في الفتاوى قد يؤدي إلى انتشار بعض الفتاوى المتشددة التي لا تراعي أحوال الناس المختلفة ولا ظروف العصر أو اختلاف البيئات التي يجب وضعها في الحسبان. وقال ” نجد أن بعض الفتاوى قد تثير السخرية والتندر لتشددها أو غرابتها أو مخالفتها للمنطق العام مما ينعكس سلبيا على نظرة الناس للدين بصفة عامة وللإفتاء والمفتين على وجه الخصوص، مستدلاً بفتوى إرضاع الكبير. إثارة البلبلة وأضاف المهيزع “إن اختلاف الفتوى بين العلماء في قضايا متشابهة قد يثير البلبلة والحيرة في نفوس العامة، وهناك الكثير من التساؤلات المطروحة للإفتاء مما يعلمه المسلمون بالضرورة، ولو بحث المستفتي بنفسه أو سأل من هو قريب منه وهو عالم بأحكام الشرع لأفتاه من دون أن يتكبد عناء البحث عن المفتي الذي قد يبعد عنه آلاف الأميال.” نجوم الإعلام وأوضح المهيزع أن حقيقة الدين الإسلامي على خلاف كثير من الأديان، لا يقر بالكهنوت، ولا بقدسية خاصة لرجل الدين، بل جعل كل فرد مسؤول عن تعلم أحكام دينه وتشريعاته، وقال”إن ظهور بعض النجوم الإعلاميين في الفتوى واشتهارهم جعل البعض يسعى إليهم للاستفسار عن بعض الأحكام المعروفة من الدين بالضرورة، مع انعدام الحاجة لذلك، بل جعل البعض يقدس آراءهم مع أنها آراء خاصة بما يقتضيه حال ببيئتهم وظروف بلادهم التي يعيشون بها.” إفتاء على الهواء وقال المهيزع ” إن الإفتاء على الهواء مباشرة قد لا يجعل لدى المفتي الوقت اللازم لدراسة المسألة التي هو بصدد الإفتاء فيها، ومراجعة الأدلة الشرعية والظروف المحيطة ببيئة المستفتي، مما يضعف الفتوى وقد يؤدي إلى الخطأ في الفتوى. أما في الفتاوى الخاصة بمستفت معين فأرى أن وجودها في القنوات الفضائية قد يخلق كثيرا من الإشكالات التي تجعلني لا أحبذ هذا النوع من الفتاوى، وأرى أن يستعاض عنه بالبحث عن مفتٍ قريب من المستفتي يعرف أحواله وظروفه ويستطيع أن يسأله مباشرة عن بعض الأمور التي قد تساعد المفتي على فهم أحواله والأمور التي يحتاجها لإصدار الفتوى. وهذا لا يمكن حصوله إذا كانت الفتوى على الهواء مباشرة أو حتى عن طريق شبكة الأنترنت، خاصة إذا كان الاستفسار عن بعض الأمور الخاصة بالمستفتي مما يخدش الحياء أو مما لا يجب البوح به أمام الناس، كذلك فإن إذاعة الفتوى الخاصة قد يتخذها البعض مدعاة لتحريم مباح أو تحليل محرم مع أنها خاصة بموقف خاص بالمستفتي الذي تقتضي ظروفه الخاصة إصدار ما يليق بحاله، فإن بعض المستفتين يبحثون عن الفتوى المتشددة بل ويسعون إليها “. شخصية سلطوية وأضاف المهيزع ” في علم الاجتماع يوجد نمط من الشخصية الاجتماعية تسمى الشخصية السلطوية تعاني من اضطرابات اجتماعية ونفسية ومن أبرز صفات هذا النمط من الشخصية البحث عن الأحكام المتشددة والالتزام الظاهري بالمحافظة المبالغ فيها بالمعايير الدينية والاجتماعية، هذه الشخصية تسعى دون كلل إلى البحث عن الفتاوى المتشددة بل أنها قد تضلل من تستفتيه لإصدار أحكام صارمة ومتشددة تتلاءم مع طبيعتها المضطربة”. تنوع المذاهب خالد عمرالرديعان و يرى أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الملك سعود الدكتور خالد عمر الرديعان أن كثرة برامج الإفتاء يعود إلى كثرة القنوات الفضائية من جهة وحاجتها إلى برامج توافق رغبات الجمهور، ومن جهة أخرى يعود كثرة هذه البرامج إلى تنوع المذاهب الفقهية داخل الإسلام. وبالتالي يميل شيوخ كل مذهب إلى وجود برامج تناسب جمهورهم الذي يقلدهم مذهبيا (سنة، شيعة، صوفية، حنابلة، شوافع، مالكية..الخ) بحكم أن كل صاحب مذهب يعتقد أن مذهبه هو الصحيح ومن ثم يحاول نشره بكل الوسائل الممكنة ومنها القنوات الفضائية. ثقافة المشافهة و قال الرديعان حول سؤال الناس عن أبسط الأمور الدينية ” يعود هذا إلى عقلية معظم أفراد المجتمع حيث يميلون الى أخذ العلم من الرأس وليس من القرطاس، بمعنى أنهم يثقون بالشيخ فلان والشيخ فلان أكثر من ثقتهم بما يرد في الكتب، بما فيها كتب السنة المعتبرة كصحيح البخاري ومسلم، أيضا فمعظم جمهورنا لا يفضل القراءة والبحث في بطون الكتب عن الفتوى في أمور دينه ودنياه، بل يفضل ثقافة المشافهة (قال لي وقلت له) وبالتالي فهو يثق بكلام الشيوخ المباشر أكثر من ثقته بكتبهم وهي مفارقة عجيبة، نحن كذلك نضفي على الأشخاص والعلماء هالة كبيرة وهذا لا بأس به ولكن يجب أن نعمل عقولنا ونأخذ من الكتب. مستجدات العصر وأضاف الرديعان “هناك مسألة أخرى في غاية الأهمية تؤكد أهمية برامج الإفتاء تتمثل بظهور مستجدات ونوازل جديدة في عصرنا ليس لها حكم ديني واضح ومن ثم نحتاج إلى رأي وفتوى بخصوصها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عمليات التجميل للسيدات والتنميص والتشقير وشفط الدهون وركوب المرأة السيارة مع السائق وخلوة الرجل مع خادمته، ومثل ذلك كثير مما لا نجد له نصوصا واضحة في الكتب من هنا قد نلجأ إلى الفتوى المباشرة “. تلمس الرخص و أكمل الرديعان قائلا “يميل بعض أفراد المجتمع إلى تلمس الرخص بمعنى أنه يستفتي بعض الشيوخ الذين يتساهلون في بعض القضايا ولكنه لا يستفتيهم في القضايا الأخرى التي لا يتساهلون بها ومن ثم يلجأون إلى شيوخ غيرهم طلبا للتيسير، هذا العمل بالطبع منهي عنه، فالفتوى يجب أن نأخذها ممن نثق بدينه وعلمه وتقواه. فتلمس الرخص قد يكون سببا رئيسيا في كثرة برامج الإفتاء التي نشاهدها في القنوات الفضائية. ومن جهة أخرى فإن معظم القنوات الفضائية تجارية ومن ثم تميل إلى استقطاب الشيوخ المتساهلين في فتواهم ممن يميعون القضايا الكبرى ويوافقون العامة في آرائهم. بل إنهم قد يحلون مكروها أو محرما وهذه طامة كبرى. وكل ذلك لأن “الجمهور عايز كده”، وكأنهم يبيعون بضاعة في حين أنهم مؤتمنون على دين عظيم لا يجوز التلاعب بثوابته “. حقن ديني عبدالله مسعود الطويرقي و يرى المستشار الإعلامي الدكتور عبدالله مسعود الطويرقي أنه كثرت القنوات الفضائية التي تبث البرامج الدينية وأصبحت تضخ الحقن الديني الذي يضر بالمجتمع مع هذه الكثرة التي غابت عنها الصناعة التحريرية الإعلامية الاحترافية، وكذلك خطوط التفكير الإعلامية الأساسية. ومضيفا بالقول ” إن كان في هذه البرامج شيء من الصحة، ولكن عندما نفتش في محتوى هذه البرامج تكتشف أن بعض الناس لا تفهم في أمور الدين الأساسية فأصبح الفاضي والمشغول يتعلق ببشت شيخ لأخذ الفتوى”. نسخة مكررة و أشار الطويرقي إلى أن هذه البرامج قد تروج لثقافة الوسطية ، والدين المتعايش الذي يتعاطى مع مشكلات اليوم، ولكن مع كثرة هذه البرامج نجد برنامجا لمدة ساعة لا نخرج منه بفائدة إلا بسؤال واحد يستحق. فأصبحت البرامج نسخة مكررة من بعضها البعض، مع اختلاف الأسماء، فالطفرة في هذه النوعية من البرامج ضررها أكبر من نفعها.” كلام خطير ونوه الطويرقي إلى أن هيئة كبار العلماء هي الجهاز الوحيد المخول بالتعليق على الأحداث العامة والقضايا السلفية في المجتمع. مضيفاً أن الناس اليوم يأخذون الفتوى من أحد قرأ كتابا أو أستاذ مساعد عمل ديكورا دينيا، يخرج للناس ويتكلم بكلام خطير يدمر مصالح البلد، فهذه الموجه من البرامج الدينية تحتاج إلى ترشيد. اجتهادات خاطئة صالح اللحيدان و أوضح المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية لدول الخليج والشرق الأوسط الدكتور صالح سعد اللحيدان أنه “منذ عشرين سنة وحتى الآن ظهرت العديد من القنوات الفضائية التي يوجد فيها كل من العالم والباحث والمفتي وأصبح الناس يستفتونهم عبر هذه القنوات.” وقال اللحيدان ” يصل إليّ العديد من الاختلافات بين المفتين في القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية الأخرى وذلك لأنها اجتهادات خاطئة مائة في المائة، من بعض المستفتين وذلك لاعتمادهم على أحاديث ضعيفة وقواعد لا أصل لها. فيجب أن يكون هناك ضابط للتأني ومعرفة صحة الحديث، وما يدل عليه من حكم وكذلك الآية وما يدل عليها من حكم ، وأيضا ما يجري على الأدلة من ناسخ ومنسوخ ومقيد ومطلق وعام وخاص ومتقدم ومتأخر.” العالم والداعية وأضاف اللحيدان “إن عامة الناس لا يفرقون بين العالم والداعية، فاغلب الذين يظهرون في الفضائيات هم من الدعاة الأخيار وليسوا من العلماء. كما أن اغلب الناس من المسلمين لا يقرؤون ولا يتابعون العلماء الموثقين، ويسألونهم وهم مجتهدون ولكن تفوتهم أشياء كثيرة. “ونصح اللحيدان كافة المسلمين أن يرجعوا إلى العلماء الموثقين، لأن المسألة هي دين وشرع وليس من أجل الحصول على إجابة معينة.”