حتى نقود حياةً نكون فيها متحفزي العقول والطاقة، قلوبنا قبل ذلك يجب أن تكون حية، وكي تكون حيةً لابد أن تكون مفعمةً بالمحبة الغامرة، والحماسة المتجددة. وحتى يتسنّى لنا تلك القلوب يجب أن نكون كما خلقنا الله في جوهر تكويننا وطباعنا وسلوكنا فمن بنائها الأصلي ننمو ونتطور.. ونحتاج لنستدل على جوهرنا الحقيقي أن نُعْمِل عقولنا حتى لا تتأرجح وتجذب بالمظهر والبيئة الشكلية التي تقود للخواء والغطرسة.. ومنا خصوصا من يخدمون الناس، يستقرون عند تلك المحطة.. محطة العقل المشدود نحو التيبّس المظهري والعبوس. قبل أسبوعين تفضل علي أكثر من ثلاثين قاض شاب بدعوة رافقني فيها صديقي العتيق والمثقف الدكتور فهد المهنا، والذي سعدت جامعة الدمام بتعيينه وكيلا لها. كان القضاةُ الشباب في غاية التهذيب والرقة والتباسط، وطلعوا علينا بأدب التلاميذ، وكان لقاء غامرا ناقشنا به سوية أموراً شرعية واجتماعية وثقافية.. والأهم دور القضاء في خدمة الناس. وأهم من الأهم الصورة النمطية التي يأخذها الناسُ على القضاة. كنت أقول للقضاة الشباب الذين يملؤون بحماستهم المكان، حاذروا المظهر، حاذروا السّمْتَ الذي يريع مراجعيكم.. نعم، كونوا محترَمين، كونوا مهابين، ولكن ببساطة أخلاقكم، وسماحة طباعكم، وقوّتكم التي لا تلين في العدلكنت أقول للقضاة الشباب الذين يملؤون بحماستهم المكان، حاذروا المظهر، حاذروا السّمْتَ الذي يريع مراجعيكم.. نعم، كونوا محترَمين، كونوا مهابين، ولكن ببساطة أخلاقكم، وسماحة طباعكم، وقوّتكم التي لا تلين في العدل الذي لا تشوبه شائبة.. ليس البشتُ ولا السّمْت هما اللذان يعطيان الاحترام والهيبة، ولو كانا هما.. فالحقيقة بالمنطق البسيط أن الاحترامَ كان إذن للقماش لا لجوهر الإنسان. بالأمس ذهبت من عرض المراجعين من أجل ورقة ملكية لأرض، إجراء بسيط لعملية بسيطة، وهي كلها رمزية لا تعني الكثير.. ثم أرى أني في مكان فيه تلك الحقيقة البازغة.. أن الذي يحكم المكان هو السّمتُ مع تعامل فوقي.. ولو دخلت الابتسامة فستصادر وتطرد.. فالابتسامة عنوان للبساطة والتقرب للناس.. لا، غير لائق! إني أخاطب الرجل الأول وزير العدل وهو رجل عقلاني كما نحسن به الظن.. ألا ترسل ثقافة الابتسام، لماذا لا يضع الكاتبُ الصغير إلى الموظف الكبير في تلك القلاع، ولو مرة على سبيل التغيير نفسَه مكان المراجعين المسحوقة أوقاتهم ومشاعرهم وظروفهم أيجب أن أجلس مع الناس ولا أسمع إلا الشكوى والتذمر من اختراع ابتكارات التأخير والتأجيل؟ لم أخرج لما جئتُ من أجله، وتأخرت عن رحلة أنفع وأنتفع بها مع عشرات من الناس.. ولم أحصد إلا - ربّما- نداء من هذا المقال: يا أحبابنا في المحاكم ومكاتب العدل، ابتسموا من أجل الله .. ثم من أجلكم. ثم ستقود الابتسامة بعون الله إلى كل ما نريد.. فوزٌ للجميع. [email protected]