بعض المشاهد الرياضية غريبة، خصوصاً تلك التي تُبنى على وجهة نظر موحدة أو شبه موحدة تتبنى فكرة معينة لها أبعاد منهجية تعتمد على الاستقلالية، تأسيسها يبدأ من حيث يجب أن يكون الطموح والرغبة في تغيير أمرٍ ما حتى يصبح لدينا القدرة على عمل نقلة مهمة وضرورية من أجل مستقبل يهتم بصناعة الأفراد وفق معطيات لها رونق معيَّن تجعل الأمر ليس بالمستحيل أو البعيد عن المغامرة، وهذا ما نحتاجه من خلال بداية مختلفة تعيد للأذهان بعض الأفكار التي نجحت في زمن مختلف وأصبحت مع مرور الوقت ذكرى جميلة. يستعد النجم الكبير سامي الجابر لخوض تجربة جديدة في حياته مع فريقه الهلال كمدرب، يبدأ أول خطواته التدريبية ربما بمنهج مختلف عمّن سبقوه في هذا المجال من المدربين الوطنيين، سامي الجابر مع كل ما يملكه من ذكاء وحسن تصرف إلا أنه لم يجد في خوض هذه التجربة أي إشكالية، فهو يدرك جيداً أن مهمة التدريب في عالم كرة القدم من المهام الكبيرة والمحفوفة بالمخاطر على المستوى الإعلامي والجماهيري، خصوصاً إذا ما كان النادي المستهدف لهذه المهمة صاحب أهم قاعدة جماهيرية على المستوى الآسيوي. عم الشارع الرياضي عامة والهلالي خاصة بعض ردود الأفعال المتباينة بين مؤيد للفكرة ومراهن على نجاح سامي في هذه المهمة، وبين من يرى أن سامي يغامر بتاريخه الرياضي وقد يخسر جولة مهمة في حياته؛ لأنه يرى أن هذه الخطوة سابقة لأوانها، فالمدرب كاللاعب يحتاج إلى تأسيس وبداية صحيحة حتى يستطيع أن يكتسب الخبرة والجوانب الفنية التي تعينه على المواصلة في هذا المجال، أنا شخصياً أقف مع الرأي الثاني، على الرغم من أنني لا أستبعد نجاح سامي في المهمة الجديدة كمدير فني للفريق الهلالي، خصوصاً إذا ما عرفنا أن سامي سيختار مساعديه من خارج السعودية، يعني أنه سيكون مديراً لطاقم أجنبي، وفي هذا الأمر ذكاء يبعث على الاطمئنان والراحة لجماهير الهلال. في السابق ظهر من يردد أن المدرب الوطني هو مدرب طوارئ ومن الصعب تسليمه مهمة تدريب طويلة المدى، فالثقة في إمكانيات المدرب الوطني ليست كما يجب على كافة المستويات، وكنا في حاجة إلى أن تتغير هذه النظرة القاصرة عن المدرب الوطني، وربما في عقد سامي الجابر مع الهلال بداية جيدة في هذا السياق حتى يتجرأ المدرب الوطني على المطالبة بعقد يضمن له تحقيق طموحه والإقدام على مثل هذه الخطوة. ما يميز سامي عن غيره -بعيداً عن كل المقومات الفردية الخاصة به- هو الدعم الكبير الذي يحظى به من أناس لهم مكانة مرموقة رياضياً ولهم تأثير كبير في قرارات الهلال، وهم من دفعوا به لخوض تجربة مهمة مثل هذه بعد أن رسموا معه خطة علمية تجعله مؤهلاً لقيادة الهلال فنياً، وهذا ما ينقص الكثير من المدربين الوطنيين الذين يملكون من الشهادات التدريبية على مستوى اللعبة في الاتحاد الدولي ما يؤهلهم لتدريب أكبر الأندية، سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي. مجال التدريب في كرة القدم علم مستقل وله قواعد فنية ليس من السهل الإلمام بها في فترة وجيزة، لكن متى ما توافقت الرغبة الصادقة والصبر مع بعض الجوانب الأخرى التي تهم شخصية المدرب ستكون المحصلة مدرباً ناجحاً صنع اسماً مهماً في عالم التدريب، وقد يفعل سامي الجابر هذا الأمر وربما يكون الاسم الأول في عالم التدريب كمدرب وطني يحترف التدريب بالأسلوب الصحيح. ليس سامي هو المدرب السعودي الأول في السعودية ولن يكون الأخير، لكن الفوارق ستكون في نوعية الإنجازات، خصوصاً إذا ما عرفنا أن كرة القدم تغيرت في كل شيء ومن جميع الجوانب، وأصبحت في عهد سامي المدرب أكثر تعقيداً من السابق في ظل تنوع المدارس والمنهجية الفنية؛ إذ إنه مطلوب من سامي عمل مضاعف وجهد كبير حتى يترك بصمة مختلفة عمَّن سبقوه في هذا المجال. فرصة تدريب الهلال من الفرص الكبيرة التي يتمناها بعض المدربين العالميين وليس من السهل التفريط فيها متى ما كانت الأدوات متوافرة في المدرب المراد استقطابه، وسامي قد يرسم مسيرة مختلفة وجديدة في عالم كرة القدم كمدرب ناجح، فكل شيء متوافر له: دعم ورغبة وفكر ، ويبقى الدعاء له بالنجاح حتى يكون سبباً مباشراً في إعادة الثقة بين الأندية والمدربين الوطنيين. الاهتمام بهذا الجانب في مسيرة اتحاد الكرة أمر مهم، وعلى حسب علمي فاتحاد الكرة يقيم بعض البرامج التأسيسية لبعض اللاعبين السابقين تمهيداً لدخولهم لمجال التدريب، لكن الأعداد التي تنخرط في هذه الدورات والدراسات لا تتناغم مع ما نشاهده في الميدان، فهناك عزوف ميداني واضح على الرغم من وجود كوادر مؤهلة ولديها شهادات متخصصة على كافة الدرجات والفئات، والغريب اتجاههم للتحليل الفني عبر القنوات الرياضية والابتعاد عن الحضور الميداني، بالتأكيد هناك أسباب تحتاج إلى تقصٍّ من خلال عقد بعض الاجتماعات مع كل المدربين المسجلين في اتحاد الكرة والاستفهام عن عدم وجودهم مع أندية الوطن أو حتى خارجياً في بعض الدول المجاورة، والعمل على حل بعض الإشكاليات من خلال بعض القرارات التي تساهم في دعم المدرب الوطني. ودمتم بخير،، [email protected]