تشكل الرواية والقصة النسائية جزءا كبيراً من السرد السعودي الآخذ في التزايد في السنوات الأخيرة. وفي السرد النسائي تتشكل صورة للرجل يرى البعض أنها تتسم بنظرة عدائية، فيما ترى كاتبات أنّ هذا التصوّر هو مجرّد حساسية زائدة للنقد نابعة من رجل اعتاد لعشرات السنين أن يكون هو سيد «القلم» والناقد الوحيد، فيما رأى البعض أنها امتداد لثرثرة مجالس نسائية أصبحت تكتب على الورق. فيما يلي إجابات متعددة لكاتبات وكتاب سعوديين سألناهم عن صورة الرجل السلبية في سرد المرأة السعودية، ما مدى وجودها، وما هي أسبابها؟ تجربة شخصية ترى الروائية ابتسام عرفي أن الكاتبة التي تحكم على الرجل بالسلب أو الايجاب هي تكتب من واقع تجربة شخصية من خلال معاملة والدها وأخيها لها ومن ثم زوجها، فالحكم على الرجل لا أعتقد سببه أن المرأة سمعت عن الرجل من امرأة أخرى أو نساء أخريات وإنما المرأة حينما تكتب هي أشبه بمن يكتب حكايته الشخصية وبالتالي فهي تكتب عن الرجل من واقع حياتها معه وتجربتها الخاصة التي تنعكس بالتالي على ادبها وسردها. وتضيف: لا أعتقد أنّ المرأة هي ضد الرجل بالمطلق، فأنا على سبيل المثال كتبت عن الرجل بشكل إيجابي في بعض رواياتي وأشرت بأنه يقف بجانب المرأة ومساند لها وفي المقابل كان هناك شخصيات أخرى في كتاباتي لرجل كانت غير إيجابية. وتختم عرفي قائلة: في المجتمع يوجد الرجل الجيد وغير الجيد، وبالعموم كتابات المرأة العربية وليست السعودية خاصة المتناولة للرجل، قد تكون قاسية ومصدر هذا قد يكون تجربة شخصية تنقلها الكاتبة على الورق. حصانة وصدمة وتتساءل القاصة غادة باقادر: لماذا يرى البعض كتابات المرأة المتناولة لرجل، إما ضد أو مع الرجل؟ أنا لا أراها هكذا، فأنا حينما أتناول الرجل في قصتي سواء كان هذا التناول فيه مديح وثناء لرجل أو هجاء وقسوة عليه، أنا لا أتناول كل الرجال انما أتناول نموذجا لرجل في المجتمع أرى أنه سلبي أو إيجابي. يجب أن نعرف أن الرجل ليس لديه حصانة عن النقد من قلم المرأة وكتاباتها، وان المرأة أصبحت كائنا يشارك الرجل في نقد المجتمع وظواهره، لهذا أنا أرى في طرح «الجسر الثقافي» لهذا السؤال فرصة للدفع بوجهة نظر المرأة في هذا الموضوع ولتقول المرأة ان السنوات التي كانت فيها المرأة مادة لنقد المجتمع من الرجل دون أن تتاح لها الفرصة أن تمارس نفس حق الرجل بنقد المجتمع برجاله ونسائه ولّت. وتضيف: هذا في ظني ما يثير حفيظة الرجل بأنه لم يكن يوما مادة للنقد من قبل المرأة وهو يشكل صدمة للرجل، جعلته غير متقبل لنقد المرأة لدوره في المجتمع، لأنه اعتاد أن يكون هو صاحب القول والرأي الاخير وما على المرأة الا أن تسلم في ذلك. ليست سلبية فيما لا ترى القاصة هدى النامي صحة افتراض أن صورة الرجل في رواية وقصة المرأة السعودية سلبية من أساسه، وتقول انها ليست مع «هذه النظرة، لذا تنتفي أسباب السؤال. قد تكون واحدة من بين القصص التي قرأتها أو حاولت كتابتها سابقاً عن زوجة عانت الأمرين من المرض الخبيث ووظيفتها كزوجة مسؤولة، لم تستطع البطلة العيش بنصف انوثتها ورأت أن الحياة بلا رجل خير من عدائيتها له وظنونها في ذهابه لغيرها، هنا المرأة تنتفي وتتلاشى كسحابة ملت الهطول على أرض لا تربو ولا ينبت بها النبات الحسن غالبا». وبالرغم من ذلك تختم النامي مؤكدة سوء واقع المرأة قائلة: يبقى واقع المرأة مريرًا إن لم تتغلب على مساوئ الرجل. رجل شرقي ويؤكد الكاتب والقاص ياسر رحيلي أن هذا الموضوع «حساس بالنسبة للرجل الشرقي في الغالب وليس السعودي فقط، نحن مجتمعات شرقية ومحافظة ولا زالت هيمنة الرجل على المرأة تشكل دليلا على كمال الرجل وبسط نفوذه في المجتمع، فالصحيح ما يقوله الرجل والنقد ما يصدر عن رجل، ونحن لا ننسى أن القلم منذ البداية كان حكرا على الرجل يصول ويجول به كيف يشاء لا ينافسه منافس، وكان نصف المجتمع الممثل بالمرأة غائبا أو مغيبا بحكم ظروف وحالة المجتمعات في تكل الفترة التي امتدت حتى عهد قريب». ويضيف: ظهرت بعد ذلك المرأة أو نصف المجتمع كما تحب المرأة أن توصف فكان الرجل لأول مرة عرضة لمشرط «قلمها». ومن هنا في اعتقادي نظر الرجل لأي نقد من قبل المرأة هو تحد لرجولته وتحييد لقوامته وحظوته في نقد المجتمع ورسم خريطة الصواب والخطأ في المجتمع. فالرأي هو ما يقوله الرجل، أما المرأة فهي ناقصة عقل لا يمكن أن تكون حكما على المجتمع ذي الصبغة الذكورية. ويختم الرحيلي بالقول: أما أنا فأرى أن المرأة بما تمثله من نصف المجتمع لها الحق أن تقول عن الرجل رأيها سواء كان ايجابيا أم سلبيا فهي قادرة في ظني بما تتسلح به من ثقافة أن تقول رأيها في الرجل كما للرجل القدرة على نقد المرأة. ثرثرة نسائية أما القاص والكاتب محمد البشير فقد هاجم كتابة المرأة السردية وابتدأ حديثه معتبراً الكتابة السردية للمرأة «وسيلتها للحياة منذ جدتها شهرزاد، فالمرأة حكّاءة بطبعها، ولذا تراها في السرد دون الشعر، وبالسرد تقاوم المرأة الموت في رمز شهرزاد/شهريار، ولعل صورة الرجل لديها شديدة التعقيد، وخاصة عند المرأة السعودية، فهي إذ تصور الرجل في صورة عدائية؛ مآل ذلك إلى نظرتها للرجل وعلاقتها به، فالحرف يبلّغ عن رؤية مؤلفه في بعض صوره». ويضيف: أبلغ الدلالات في تجسيد هذه الصورة - مع قليل سخرية لقواعد معلومات جامعاتنا العلمية - أن ألّفت رسالتان علميتان أولاهما (صورة الرجل في الرواية النسائية السعودية) للباحثة نورة سعيد القحطاني عام 2006/2007 نالت بها درجة الماجستير من جامعة الملك عبدالعزيز، والثانية بنفس العنوان للباحث منصور المهوس نال بموجبها درجة الدكتوراة من معهد البحوث والدراسات العربية، في جامعة الدول العربية في القاهرة عام 2008م تقريباً. وتظهر الباحثة أن 65.6% من الرجال يمارسون سلوكاً سلبياً تجاه المرأة ، بينما يجد الباحث أن صورة الرجل المتسلط والعابث هي مدخل الكاتبات لإدانة ثقافة السلوك في مجتمعهن. ويختم البشير قائلا: إن هذه البحوث إضافة إلى ما يجده قراء الروايات النسائية يؤكد انتقال ثرثرة المجالس النسائية إلى الورق في تطور طبيعي لخروج المرأة بثرثرتها عبر شبكة الإنترنت، والتي تطورت لتخرج ورقاً، ولا شك أن هذه الثرثرة تختلف باختلاف من تنتسب إليها، وهذا ما يميز رواية نسائية عن أخرى بقدر ما تضيفه من قيمة لرصيد الرواية السعودية. أبٌ وزوج فيما يرى القاص والكاتب كاظم الخليفة أن هذه الصورة السلبية لا تشكل ظاهرة نظراً للقدسية التي لا تزال تتمتع بها شخصية الأب الذي ينتمي لجنس الرجل. ويضيف: مازالت مجتمعاتنا العربية والسعودي منها خصوصا، يرزحون تحت ثقل المفاهيم المتوارثة، بعضها تلاشى بفعل الحداثة حيث الوعي بالذات ومحددات السلوك والقيم، وبعضها ما زال يقبع في مكان عميق وهو المفهوم الأبوي. ويؤكد الخليفة: عندما نقيس مساحة الوعي لدى الكاتبات السرديات وتطور نظرتهن الى الرجل، فهو بمقدار قدرتهن على الاشتباك بهذا المفهوم ومقدار الإزاحة المفاهيمية، فهل أثرت تلك النظرة على رؤية الكاتبات في شكل تحفظهن على دور الأب والأخ؟ ويختم الخليفة مبيناً أن «الزوج بالطبع مختلف وكذلك الحبيب، فهما ساحة المعركة ووقودها فيما أعتقد».