قامت إحدى الشركات الاستشارية المتخصصة في القوى البشرية بدراسة عن الموظف المحلي والبحث عن أسباب تفضيل رجل الأعمال للموظف الأجنبي على المواطن. فخلصت إلى استنتاجات أن رجل الأعمال يعتقد أن المواطن عيوبه كثيرة، كعدم الالتزام بالوقت أو الوظيفة، وافتقاده للمهارات الفنية, وعدم قدرته على التحدث بلغة أجنبية، وضعفه بالقراءة والكتابة وعدم مرونته بالعمل أو انضباطه بالتصرفات. المفاجأة أن الشركة التي قامت بالدراسة هي شركة بريطانية، وكانت الدراسة تخص الموظف البريطاني، ورجال الأعمال الذين سُئلوا هم رجال أعمال بريطانيون. هذه القصة أوردها الدكتور عبدالرحمن الزامل – رئيس مجموعة الزامل الصناعية - في إحدى المناسبات مؤخرا. النتائج التي استخلصتها الدراسة، ورأي رجال الأعمال البريطانيين شبيه جدا بما يقوله كثير من رجال الأعمال بالسعودية، ففي لقائه بالغرفة التجارية، أشار صالح كامل رئيس مجالس الغرف التجارية أكثر من مرة خلال حديثه، أن أكبر عقبة تواجههم لسعودة الوظائف هي عدم رغبة الموظف السعودي بالدوام الطويل، وتفضيله للوظائف المريحة التي تضمن قربه من أسرته ولا تحمل مشقة كبيرة، وكان ردي خلال نفس اللقاء على هذا الاعتقاد السائد بين رجال الأعمال أن النماذج التي تثبت خطأ هذه المقولة لا تعد ولا تحصى، فموظفو شركة أرامكو – على سبيل المثال - يكابدون مشقة شديدة، وبعض من يعمل في أماكن بعيدة تزيد مدة دوامه عن 12 ساعة يوميا، أن أكبر عقبة تواجههم لسعودة الوظائف هي عدم رغبة الموظف السعودي بالدوام الطويلفي مناخ حار جدا وسط الصحراء، وقد يغيب عن أهله أسابيع أو أشهر طويلة، ورغم ذلك فإنه لا يشتكي، بل لو فتحت وظيفة شاغرة في نفس الموقع، لتقدم عليها عشرات الألوف من المواطنين، فما الذي يفسر ذلك؟ السبب بكل بساطة، أن من يعمل في أرامكو يحصل على مردود مالي ومعنوي ممتاز، يوازي حجم المشقة، ولن يتوانى الموظف هناك ببذل كل ما بوسعه لرد هذا التقدير، وهذا ينطبق على قطاعات أخرى كثيرة كسابك والبنوك وغيرها. في المقابل نجد أن غالبية القطاعات الخاصة الأخرى لا يزيد معدل رواتبها عن 3200 ريال، وهو راتب بالكاد يكفي لشخص واحد، فما بالك بمن يطمح بالزواج وإعالة أسرة وفتح بيت، فكيف نتوقع من شخص أن يبذل من جهده في وظيفة بيئتها الادارية سيئة، وعائدها المادي قليل ولا مستقبل لها. العامل الأجنبي في كل دول العالم هو المفضل بالنسبة لرجل الأعمال، لأنه دائما ما يكون أقل تكلفة، وأكثر حرصا على التركيز على العمل وبذل الجهد، لأنه موجود لفترة مؤقتة قبل العودة لبلاده، ولذلك فإن كل دول العالم المتقدم تضع عقبات شديدة في وجه الاستقدام المفرط، وذلك تفاديا لدخول أعداد كبيرة من العمالة الرخيصة التي تنافس المواطن في وظائفه, وفي أعماله الحرة وتتسبب في انخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع معدلات البطالة، ويعلم رجال الأعمال في دول العالم المتقدم أن استقدام الموظف الأجنبي هو الاستثناء وليس الأصل، أما في السعودية، فيعتقد بعض رجال الأعمال أن استقدام غير السعوديين هو الأصل وتوظيف السعودي هو الاستثناء، وهذا مفهوم خاطئ تماما يجب أن نعمل جميعا على تصحيحه. إن توطين الوظائف لمواجهة البطالة، لم يعد مجرد حل لمشكلة اجتماعية، بل إنه أصبح مسألة أمن قومي، والتأخر بعلاجه يهدد الأمن والسلم المحلي، ونحن أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الوقوف مع المواطن والدولة للمساهمة في نزع فتيل قنبلة البطالة، وإما الاستمرار في السباحة عكس التيار والبحث عن المصالح الضيقة بعيدا عن مصلحة الوطن الشاملة. [email protected]