تُقارب الأفلام الإماراتية الروائية القصيرة التي عرضت في دورة مهرجان الخليج السينمائي السادسة في أبريل 2013م بدبي مفاصل من الحياة الإماراتية المتماسة مع رؤى وشواغل وأحلام الإنسان الإماراتي المعاصر، وهي - بالضرورة - كاشفة عن عقلية الجيل الناهض من الشباب إزاء تناول همومه الاجتماعية والوجودية والنفسية، وفي كل الأحوال هي حافلة بالاجتهادات على الاشتغال الاحترافي فيما يتعلق بتقنيات الصورة السينمائية، وكمثال على تناول الموضوعات الإنسانية والقصص المتمثلة في الحنين للحياة التي سبقت الطفرة الحضارية أو بداياتها في الإمارات، يسترجع المخرج أحمد زين عقد الثمانينات في فيلم «صافي» ويتوغل في إحدى المناطق القديمة في إمارة عجمان، ليتداخل مع ذاكرة المكان والإنسان في 8 دقائق مليئة بالشجن. قصة بسيطة تستعيد مقتطفات من المرحلة التي سبقت غزو الاتصالات، تلك المعاناة (اللطيفة) التي عاشها الناس مع اللاقط الهوائي «الإريل» ومحاولاتهم الحثيثة متابعة ما تبثه التلفزيونات الأرضية، غير أن الموضوع الذي تناوله منصور الظاهري في فيلمه «سراب نت» في نحو 30 دقيقة يتصل بالحياة الحديثة ومشكلاتها الاتصالية عبر استخدام الإنترنت في التواصل بهدف الصداقة الهشة التي قد تؤدي الى عواقب وخيمة، وهو مقتبس من حادثة واقعية، يتناول حراك الفتيات اللاتي يبحثن عن فارس الأحلام عبر الإنترنت، فيتعرفن على الشباب الساعي لإشباع شهواته الجسدية، وهؤلاء الشباب - بالتالي - وجدوا في أولئك الفتيات الفرص المواتية للتغرير بهن وإيقاعهن في شباكهم، ومن ثم في مشكلات كبيرة تصل إلى حد الجرائم الخطيرة مثل القتل والاغتصاب والفضيحة أمام العائلة والمجتمع. ومن القصص الواقعية يستل سعيد سالم الماس قصة فيلم «قهر الرجال». المتميز بحرفية استخدام الإضاءة وانسيابية الموسيقى المصاحبة بما يعزز الحالة الشعورية بالأزمة النفسية لامرأة نادمة. يبدأ الفيلم بعودة الزوج من عمله مرهقاً، فتبادره زوجته بسؤاله عن ترتيبات السفر الذي ينويان القيام به، فيخبرها بأنه لم يتمكن من شراء التذاكر بسبب الديون، وحينها تجابهه بالإهانة والغلظة في الحديث، فيصاب بسكتة قلبية ويسقط ميتاً، وبعد فترة، وهي في أوج ذهولها تتصل بشيخ دين لتسأله إن كانت السبب في وفاة زوجها، وهنا يدعو لها الشيخ بالمغفرة في إيحاء بأنها فعلاً هي المتسببة في موته. ومن الأفلام المقتبسة من الأحداث الواقعية الى الموضوعات النفسية، التي حاول فيلم «تمرّد» للمخرج إبراهيم المرزوقي معالجتها بطريقة رمزية تناقش ثنائية الإرادة والأداة. يواجه أحد الطهاة العاملين في أحد المنازل مشكلة نادرة، فيده التي يستخدمها في عمله كطباخ لا تستجيب الى رغباته في إنجاز العمل، فيقوده ذلك الى صراع نفسي وجسدي مع هذه اليد المتمردة. وفي منحى آخر تتناول موضوعات الأفلام الإماراتية الإثارة والتشويق عبر الرعب في عدة أفلام منها فيلم «الطريق» للمخرجين الإماراتيين عبدالله الجنيبي وحميد العوضي، في 34 دقيقة من الإيقاع المتوتر. يبدأ الفيلم بمشهد سيارة تجتاز الشوارع، يصدر عنها صوت الراديو، يستقل هذه السيارة ثلاثة شبان ملطخين بالدماء، وبرفقتهم رجل آخر في حالة سليمة، فيحدثهم بقصص متنوعة ومع استمراره في سرد الحكايات تبدأ لمحات من حياة كل شاب في الظهور بالقصص التي يحكيها، وبالتالي ستقودهم الحكايا الى منعطفات جديدة في حياتهم، وأيضاً مع أجواء الرعب يدور فيلم «الغروب» ومدته 20 دقيقة، للمخرجة مريم النعيمي، ويروي قصة ثلاثة شبان يقررون قضاء عطلة نهاية الاسبوع في البر، وفي الطريق تتعطل سيارتهم، فيظهر لهم رجل مسن وامرأة تبدو عليها الغرابة المخيفة، في الوقت نفسه يسمعون عن اختفاء طفلين. تحاول المرأة إقناع الشبان بدخول المزرعة، ويصر العجوز على منعهم ويحثهم على المغادرة قبل الغروب، وهناك تزداد مخاوفهم بعد مشاهدتهم الطفلين المختفيين، فيحاولون الهروب، من المرأة ويعتقدون أنهم تمكنوا من الهرب غير أنهم ذهلوا بوجودها معهم في السيارة. هذا التنوع في الموضوعات يشير الى إدراك السينمائيين الإماراتيين ضرورة التعبير عن رؤاهم وأفكارهم وشواغلهم وقدراتهم الفنية بواسطة السينما، وهو إدراك واشتغال لم يكن موجوداً منذ عقد من الزمان بأي حال من الأحوال.