حوار طويل مع صديقتي المصرية المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، شرحت لي حيرتها من استضافة قناة الجزيرة لشخصيات إسرائيلية. وهي بالفعل تحارب التطبيع، وهو البند الوحيد الذي لم ينفذ من اتفاقية السلام. لكن ترغب بشدة في سماع كلام من تراهم الأعداء. حكت لي انها حين كانت صغيرة، وقبل انتشار التليفزيون، والفضائيات. كانت حريصة على سماع إذاعة إسرائيل، لتسمع نشرة الأخبار من وجهة نظر الأعداء. تذكرت هذا الحوار وأنا أفكر بوضع إسرائيل الآن، وغارتها الغادرة على دمشق. لست مثل صديقتي لذلك قررت أن أتابع الإعلام الإسرائيلي قليلا، حيث أصاب بغضب شديد عند سماع تبريرات الإسرائيليين للقتل. الحرب هي مهمة إسرائيل وسبب وجودها، وبقائها، والإعلام الإسرائيلي يتحدث عن الحرب دائما حتى بفترات السلم. أهم صحف إسرائيل تتحدث من أيام عن مناورة الجيش المصري ( تدريب حرب ) حيث جاءت بعد تأكيد وزير الدفاع المصري على التمسك باتفاقية السلام، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي، وتؤكد المواقع الإعلامية الرسمية على قلق إسرائيل من مستوى التسليح، والقدرات القتالية للجيش المصري، خاصة ارتفاع الروح المعنوية بعد تراجعها كثيرا بعد ثورة يناير. وعلى مستوى اخر تحاول إسرائيل استيعاب الوضع السوري، مع قرب سقوط نظام الأسد، وعدم وضوح البديل القادم، والموقف من احتلال الجولان. ودور حزب الله وإمكانية حصوله على أسلحة متقدمة من النظام المتصدع. تعيش إسرائيل حالة نوعية تتجاوز الخوف المعتاد بدولة غاصبة. وربما يدفعها الخوف لحماقات تضرها قبل غيرها، فها هو الجيش المصري، يستعيد قدراته القتالية، ويعيد ترتيب أوراق اللعبة حتى داخل سيناء. والجولان لم تعد واحة آمنة لقلة من المستوطنين، فهل يكون الرعب بداية انهيار دولة الحرب؟ بالطبع يجب التعاطي مع الإعلام الإسرائيلي بحذر شديد، فالنوايا ليست صادقة، كما أن الأخبار تحمل الكثير من الرسائل المتناقضة. وبرغم ذلك، تبقى الحالة الحالية للمنطقة، والتي تشبه حالة الفراغ. تخيف إسرائيل كثيرا، ومع أن الفراغ غير موجود أصلا، لكنه الخوف من المجهول. الفترات الانتقالية بالتاريخ تشبه الرمال المتحركة، فالأوضاع التي تبدو مستقرة، قابلة للتغير السريع. بعد أن عاشت إسرائيل عقودا من استقرار مع دول الجوار القوية، خاصة مصر، وسوريا. ركزت كل جهودها لمهمتين، الأولى، تغيير الواقع داخليا لمصلحتها، بناء المستوطنات بكثافة، تهويد القدس، وعزل السكان العرب بحيز ضيق محاط بالأسوار. والثانية، تركيز مجهودها الحربي على الجبهة اللبنانية، والعقاب الدوري للفلسطينيين بالضفة الغربية، وغزة. فالحروب الصغيرة تحفظ بقاءها، بتقليل التكلفة بالمقارنة بحرب واسعة مع دولة قوية. لكن يبدو أن حالة الاستقرار النسبية قد ذهبت إلى حيث لا رجعة. لقد رصدنا خلال العامين الماضيين. أن إسرائيل تعيش حالة خوف حقيقي من الفراغ الحادث حولها، وغياب ما اعتادت عليه من ترتيبات دولية موثقة باتفاقات، وترتيبات مشتركة مع دول الجوار الكبرى. فهي أمام نظام جديد يتشكل بمصر وسط رغبة شعبية عارمة في تعديل اتفاقية السلام، ومع تردي الأوضاع بسيناء، ترتفع الأصوات المنادية بسيطرة الجيش على الحدود، وتعديل بنود جوهرية بالاتفاقية. أما سوريا، فالوضع يكتنفه الكثير من الغموض، وكل الاحتمالات مطروحة. فالجيش الحر يضم بين صفوفه تنوعا يشمل من أقصى اليمين لأقصى اليسار. تعيش إسرائيل إذا حالة نوعية تتجاوز الخوف المعتاد بدولة غاصبة. وربما يدفعها الخوف لحماقات تضرها قبل غيرها، فها هو الجيش المصري، يستعيد قدراته القتالية، ويعيد ترتيب أوراق اللعبة حتى داخل سيناء. والجولان لم تعد واحة آمنة لقلة من المستوطنين، فهل يكون الرعب بداية انهيار دولة الحرب؟ الإجابة عن السؤال، المستقبل القريب. [email protected]