لا يمكن النظر للعلاقات السعودية التركية، بمعزل عن التقاطعات الحادة في المنطقة، منذ بداية القرن العشرين، وما سبقه، أو ما تلاه من سنوات، تأرجحت فيها علاقات تركيا بالعرب من النقيض للنقيض، بناء على تفاعلات تركية داخلية أفرزت معطيات يتفق أو يختلف معها المؤرخون. هذه التحولات التى مرت بكثير من التوتر أحياناً والقطيعة أحيانا، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، تبنت تركيا الجمهورية (عام 1923) أطروحات مغايرة عما كان سائداً أيام ما كان يعرف بالخلافة العثمانية، حيث انتهج مؤسس الجمهورية مصطفى كمال اتاتورك المبادئ الأوروبية لإدارة الدولة ونشر الثقافة العلمانية على نطاق واسع، ترافقاً مع هجوم عدواني ضد الثقافة الإسلامية والعربية على وجه الخصوص، وكانت تركيا أول دولة إسلامية في التاريخ تفصل الدين عن الدولة ما جعل تركيا تبتعد عن العرب والدول العربية. في مرحلة التنافر العربي التركي، تصاعدت الشكوك المتبادلة، في مرحلة فرض اتاتورك "العلمانية" على الحياة السياسية بالقوة، وسار خلفاؤه على نفس النهج، ليسجل التاريخ أن تركيا كانت أول دول إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949م، وعمقت علاقاتها معها، لتصل إلى مستوى حلف عسكري يخيف الأمن العربي، ولم تعترف باستقلال الجزائر عام 1954، ما أدى إلى استمرار القطيعة المكتومة مع العرب والمسلمين. بذور التغيير بعد أن فترت مرحلة الهجوم الجمهوري على الإرث العثماني، ومراجعات سيطرة الجيش على البلاد، بدأت تركيا تستعيد وعيها وتتصرف مؤسسات الدولة بمسئولية شاملة تجاه مهمات الدولة المدنية لا حامية للعلمانية فقط، وحملت أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، بذور تغيير جذري في البوصلة الاستراتيجية لتركيا، وجاء عام 2002، ليكون محور التغيير الكامل فى العلاقات التركية العربية، وبجهود سعودية وخليجية عام 2004 أصبح الأمين العالم لمنظمة المؤتمر الإسلامي من حظ تركيا كما أنتخب َ رئيس الجمهورية التركية رئيسا للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري في منظمة الدول الإسلامية، ومن ثم أصبحت تركيا عضوا مراقبا في جامعة الدول العربية، ولعبت تركيا دورا متميزا في تقريب العلاقات الخليجية مع حلف الناتو في مؤتمر حلف الأطلسي الذي عقد في تركيا عام 2004، بهدف تعزيز الأمن العالمي والإقليمي من خلال تعاون الحلف مع دول منطقة الشرق الأوسط، وعززت تركيا خطواتها نحو العرب بمناهضة العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وعلى غزة عام 2009، وكان لها دور مُشَرف في فتح الحصار على غزة بإرسال سفينة الحرية، حيث أستشهد تسعة متطوعين أتراك من طاقم السفينة "مرمرة" بنيران القوات الإسرائيلية، ولعبت أنقرة دوراً في التوصل إلى موقف إيجابي في حل الأزمة السياسية اللبنانية عام 2009. كما لعبت دوراً في تحذير جماعات إيران وميلشياتها في العراق من التصرف على أن العراق غنيمة لطهران، وحصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في عام 2011 على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام وتوطيد العلاقات التركية الخليجية بشكل أفضل، والعلاقات التركية العربية مرت بمراحل مهمة للنمو والتقارب في السنين الأخيرة. التطور الأهم التطور الأكبر، في العلاقات السعودية التركية، جاء عام 2006، بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تركيا، وهي أول زيارة من نوعها لزعيم سعودي منذ 40 عاما، لتكون الزيارة بمثابة نقطة التحول الأعمق في العلاقات بين البلدين، إذ أعطى الوجود الحي لأرفع مسؤول سعودي على أرض تركية، دفعة لتصحيح مسار العلاقات واستعادة نقاط الالتقاء بين دولتين كبيرتين، ونجحت الزيارة في التمهيد لمعطيات تستثمر إمكانات وسياسات البلدين وقدرتهما على التعامل مع الملفات العالقة والشائكة بالمنطقة، لتحسين العلاقات السعودية التركية، وعززت التعاون المتبادل بين الجانبين، وتجلى ذلك في نتائج ملموسة على المستويين الاقتصادى والسياسي. التطور الأكبر في العلاقات السعودية التركية، جاء عام 2006، بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تركيا، وهي أول زيارة من نوعها لزعيم سعودي منذ 40 عاما، لتكون الزيارة بمثابة نقطة التحول الأعمق في العلاقات بين البلدين. طفرة اقتصادية وفي غضون عامين فقط من زيارة خادم الحرمين الشريفين، زاد حجم التجارة بين المملكة وتركيا من 3.3 مليار دولار عام 2006 إلى 5.5 مليار دولار عام 2008، وهو ما دفع وزير الخارجية التركي أحمد داوود أغلو إلى أن يتوقع زيادة حجم التبادل إلى أكثر من 10 مليارات دولار فى غضون بضع سنوات، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في حجم الاستثمارات المتبادلة. تعزز ذلك أيضاً بما توقعه رجال أعمال سعوديون وأتراك، بتزايد التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، والسعي إلى فتح منافذ في الأسواق لمنتجات البلدين وإقامة شراكات اقتصادية للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في اقتصاد الدولتين. وزير التجارة والاقتصاد التركي ظفر تشاغلايان الذي ترأس وفداً ضم 100 من رجال الأعمال ومسئولين في دوائر اقتصادية تركية، قال أثناء لقاء عقد في الرياض مؤخراً : كان ينبغي أن يكون التبادل التجاري من 28 إلى 30 مليار دولار، رغم تجاوز التبادل التجاري بين البلدين 8 مليارات دولار، مرتفعاً ثلاثة أضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة، وأوضح الوزير إن تحقيق ذلك ممكن إذا تم استغلال طاقات البلدين الاقتصادية بصورة مثلى، وتوقَّع أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليارا دولار خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة. زخم جديد وتلقت العلاقات السعودية التركية زخما جديدا بزيارة الرئيس التركي عبد الله غول المملكة في فبراير 2009، وهو ما وضع مسار العلاقات مرة أخرى في إطار مرحلة جديدة من التفاهم ودفع العلاقات لتكون محورية تأسيساً لزيارة خادم الحرمين الشريفين السابقة أنقرة، الأمر الذي وضع البلدين في سياق التعاون من جديد، إقليمياً ودولياً، وفتح الباب على مصراعيه لأكبر تنسيق سياسي واقتصادي، تجلى عبر العديد من المواقف والتفاهمات المتوافقة بشأن خريطة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما تلاه من تفاهمات بشأن ما شهدته المنطقة من أحداث، سواء في حقبة الربيع العربي، أو التعامل مع الملف النووي الإيراني، وكذلك الوضع في سوريا وكيفية التعامل مع جرائم نظام الأسد في دمشق. جسر قوي بالتزامن مع التطورات التي تشهدها العلاقات السعودية التركية، تزداد أعداد السياح السعوديين في تركيا بصورة مستمرة، وهو ما كشف عنه وزير التجارة التركي، الذي قال: إن عددهم تجاوز 200 ألف سائح سعودي، في الوقت الذي يزور فيه عشرات الآلاف من الأتراك السعودية سنويا للحج، إلى جانب ذلك يعيش ويعمل في السعودية قرابة 100 ألف مواطن تركي، يشكلون جسرا قويا ومستمرا للصداقة بين البلدين. تعاون عسكري لم يتوقف التعاون عند المجالين السياسي والاقتصادي، بل تجاوز ذلك إلى اعتماد تمرينات عسكرية مشتركة، توجت بتمرين مناورة نسر الأناضول في تركيا عام 2012 بمشاركة القوات الجوية الملكية السعودية و 6 دول متقدمة في مجال القوة الجوية، حيث يعتبر هذا التمرين من أعرق وأكبر المناورات العسكرية المشتركة القتالية الجوية على مستوى العالم، حيث شاركت القوات الجوية الملكية السعودية بالعديد من طائراتها الهجومية والدفاعية والمساندة ، بالإضافة إلى العديد من الأطقم الجوية والفنية والإدارية التي من شأنها دعم الجاهزية القتالية لقواتنا الجوية المشاركة في هذا التمرين مع نظيرتها القوات الجوية التركية، وكانت زيارة رئيس الأركان التركي نجدت أوزال المملكة في نوفمبر الماضي ولقاؤه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، لفتة مهمة في تطور العلاقات بين المملكة وتركيا في وقت تتأزم فيه الأوضاع في المنطقة بشكل غير مسبوق. قالوا عن العلاقات السعودية التركية عمق التاريخ المملكة واحدة من الدول المحورية بالمنطقة، ويحمل ثقلها السياسي والاقتصادي أهمية، ليس فقط من حيث التأثير على التطورات الإقليمية، وإنما كذلك تناول قضايا ذات أبعاد عالمية، قائلاً : قدمنا إلى هنا لنشيد بالدور البناء للمملكة في تحقيق السلام والأمن والرخاء في الشرق الأوسط وما وراءه، ونقدر كذلك الإصلاحات المهمة التي نفذتها المملكة على الأصعدة المرتبطة بالسياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والثقافة في ظل القيادة الحكيمة والمثالية لجلالة الملك عبد الله، خادم الحرمين الشريفين. تقوم العلاقات التركية - السعودية على أواصر صداقة حقيقية وأخوة بين الشعبين، وتربطنا صلات ثقافية وتاريخية تضرب في عمق التاريخ، علاوة على ذلك، نتشارك في الدين والموقع الجغرافي. كما أن للدولتين مصلحة كبيرة في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة. أحمد داوود أغلو (وزير الشئون الخارجية لجمهورية تركيا) أثناء الزيارة الرسمية الأولى له إلى الرياض في مطلع 2010م. العلاقات المتبادلة “إن المملكة لم تعد بلدا مصدرا للنفط فقط كما كان يتصوره بعض المحللين ، بل بلغت الصادرات السعودية غير النفطية عام 2005 م ما مقداره 19 مليار دولار ووصلت منتجاتنا الى أكثر من 120 دولة واحتلت المملكة المرتبة 23 في قائمة الدول الرئيسة المصدرة للسلع، شهد العالم بجودتها وسعرها المنافس”. «إننا نعيش اليوم حقبة ترابط المصالح بين الدول والشعوبكما أن شيوع مفاهيم العولمة وتحرير التجارة الدولية أتاح لآليات السوق ممارسة دورها الأساس في النشاط الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، وأرسى قواعد العلاقات التجارية على مبادئ حرية التبادل وانسياب السلع والخدمات بيسر وسهولة، كل ذلك يحتم علينا أن نسعى جاهدين لتحقيق نقلة نوعية في علاقاتنا الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وأن تكون نظرتنا للتعاون أكثر شمولية وتوازنا بغية الاستفادة من جميع الامكانات والحوافز والفرص المتاحة لتحقيق أفضل مردود للطرفين». عبدالرحمن الراشد (رئيس مجلس الغرف السعودية خلال استقباله الوفد التركي في 2009) الجميع رابح إن التقارب التركي العربي والخليجي خاصة تطور في الآونة الأخيرة بعد إحساس تركيا بأن مساعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي ستبوء بالفشل الذريع بسبب معارضة كل من فرنسا وألمانيا الذي أعلن صراحة في مؤتمر الاتحاد الأوروبي عام 2006 ، لذا لجأت تركيا إلى بعدها الاستراتيجي البديل والأنجح من خلال الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي، وتبني سياسة اقتصادية مفادها إن الجميع رابح في هذه العلاقة، وفي أحد المؤتمرات الرسمية عام 2007 صرح وزير المالية التركي كمال أونكتان لوزير التجارة الكويتي السابق فلاح محمد الهاجري بهذه الكلمات : ”يجب ألا نبذل الكثير من الاهتمام بالولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي، فالأمريكان لا يرحمون أحدا، وقد يستولون على كل شيء لديك حتى حذاءك الذي تلبسهإن الأفضل لكم ولنا أن نعمل سويا وان تستثمروا في تركيا فهي الأقرب دائما” وقد نجح التقارب التركي العربي سياسيا واقتصاديا، فوفقا لإحصائيات الحكومة التركية نمت الاستثمارات الخليجية خلال الفترة من العام 2003 إلى العام 2008 لتصل إلى ملياري دولار أمريكي تقريبا. كما نمت التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا من 17 مليار دولار عام 1998 إلى 166 مليار دولار عام 2008. د. فيصل محمد الحمد (أستاذ بكلية الدراسات التجارية) العصور الذهبية تعيش العلاقة التاريخية التي تربط المملكة العربية السعودية بجمهورية تركيا أزهى عصورها الذهبية بفضل سياسة البلدين الحكيمة التي تكللت بالزيارات المتبادلة بين قيادة الشعبين الصديقين شهدت عبرها نقلة نوعية متميزة في جميع المجالات وعلى مختلف الصعد، والمملكة لديها الكثير من المواقف تجاه معظم القضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتها التعايش السلمي البناء بين الحضارات الذي يقود مشروعه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بكل عزيمة واقتدار، منوهاً بالشراكة الفاعلة بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية التي تسير في ركب التطور والاستمرار بوتيرة متسارعة، والمملكة التي تربطها بتركيا بعلاقات تضرب في عمق التاريخ ينظر إليها العالمان العربي والإسلامي بعين الاحترام والتقدير كما ان الفترة المقبلة ستشهد ظهور مجالات جديدة لتعزيز أواصر الأخوة بين البلدين بما يخدم مصالح الشعبين والمنطقة بأسرها على النحو الأفضل. البروفيسور محمد كورماز (رئيس الشؤون الدينية التركية) رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان يزور المملكة (إبريل 2012)
سمو ولي العهد يستقبل رئيس الأركان التركي (نوفمبر 2012)