تميّزت العلاقات السعودية - التركية بالثبات والديمومة، وسط عالم من المتغيرات التي أحاطت بالكرة الأرضية من كل جهاته، فهما يمثلان أكبر ثقلين للعالم الإسلامي في الماضي والحاضر. ولعل زيارة رئيس مجلس الأمة التركي القريبة للرياض هي امتداد لهذه العلاقات المتزنة بين الطرفين وهي ليست الأولى، إذ سبقتها الكثير من التصريحات للمسؤولين الأتراك في التأكيد على العلاقات المميزة بين الطرفين. وأكد الرئيس التركي عبدالله غل في وقت سابق، خلال استقباله الدكتور عبدالله آل الشيخ في أنقرة، أهمية التشاور والتعاون بين بلاده والسعودية على مختلف المستويات والأصعدة، لما فيه مصلحة منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، داعياً إلى الاستفادة من الأجواء الايجابية السائدة في الوقت الراهن لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. وأعرب الرئيس التركي خلال استقباله، رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله آل الشيخ والوفد المرافق له في مقر رئاسة الجمهورية في العاصمة أنقرة عن سعادته بما وصلت إليه مستويات علاقات التعاون والتنسيق بين حكومتي وشعبي البلدين ومجلسي الأمة والشورى في أنقرة والرياض، مبيناً أنهم يتابعون بكل اهتمام وحرص التنامي الملحوظ في مسار العلاقات بين البلدين. وأشار الرئيس غل إلى زيارتي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التاريخية إلى بلاده، إذ كان لهما بالغ الأثر في دفع العلاقات التركية - السعودية إلى المزيد من التطور، لافتاً إلى أن للمملكة مكانة خاصة لدى الشعب التركي، نظراً لمكانتها في العالم الإسلامي، ولوجود الحرمين الشريفين قائلاً: «إننا نقدّر ونثمّن جهود المملكة في خدمة وعمارة الحرمين الشريفين ورعايتها لحجاج بيت الله الحرام كافة، وتهيئة السبل كافة لراحتهم وسلامتهم». وأضاف وزير الخارجية التركية في كلمة كذلك عند زيارته للسعودية: «يسعدني القيام بزيارتي الرسمية الأولى إلى المملكة العربية السعودية، بصفتي وزيراً للشؤون الخارجية لجمهورية تركيا». وأوضح أوغلو: «تعد السعودية واحدة من الدول المحورية في المنطقة، ويحمل ثقلها السياسي والاقتصادي أهمية ليس فقط من حيث التأثير على التطورات الإقليمية، وإنما كذلك تناول قضايا ذات أبعاد عالمية. وعليه قدمنا إلى هنا لنشيد بالدور البناء للمملكة في تحقيق السلام والأمن والرخاء في الشرق الأوسط وما وراءه. ونقدّر كذلك الإصلاحات المهمة، التي نفذتها المملكة على الأصعدة المرتبطة بالسياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والثقافة في ظل القيادة الحكيمة والمثالية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. تقوم العلاقات التركية - السعودية على أواصر صداقة حقيقية وأخوة بين الشعبين. وتربطنا صلات ثقافية وتاريخية تضرب في عمق التاريخ، علاوة على ذلك نتشارك في الدين والموقع الجغرافي. كما أن للدولتين مصلحة كبيرة في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة». وذكر أنه تسعده الإشارة إلى أن العلاقات التركية - السعودية لا تزال تتطور على أصعدة متنوعة بوتيرة متسارعة. ولعبت الاتصالات والزيارات الرسمية المتبادلة على أعلى المستويات والتي ازداد معدلها بمرور الوقت، دوراً مهماً في تعزيز هذا التوجه. وجاءت زيارة الملك عبدالله لتركيا عام 2006 كأول زيارة من نوعها منذ 40 عاماً بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين البلدين. وتلقت هذه العلاقات زخماً جديداً، من خلال زيارة الرئيس التركي عبدالله غول للسعودية في شباط (فبراير) 2009. ومهدت زيارات متكررة على المستوى الوزاري الطريق أمام تعزيز وتنويع التعاون بين الجانبين. وجرت ترجمة هذا التوجه التصاعدي في علاقات السياسية إلى نتائج ملموسة على المستويين الاقتصادي والسياسي، ففي غضون عامين، زاد حجم التجارة بين البلدين من 3.3 بليون دولار عام 2006 إلى 5.5 بليون دولار عام 2008. وتزداد أعداد السياح السعوديين في تركيا بصورة مستمرة، في الوقت الذي يزور فيه عشرات الآلاف من الأتراك السعودية سنوياً للحج، إلى جانب ذلك يعيش ويعمل في السعودية قرابة 100 ألف مواطن تركي، يشكلون جسراً قوياً ومستمراً للصداقة بين البلدين. كما أننا حريصون على تعزيز اتصالاتنا وتعاوننا في الحقل الثقافي، وفي هذا الإطار يجري التشجيع على تنظيم أسابيع ثقافية متبادلة، وإجراء دراسات جماعية حول تراثنا الثقافي المشترك. والملاحظ أن التوافق والتناغم يميزان السياسات الخارجية للدولتين نحو المنطقة. وهناك ثقة متبادلة بين الدولتين تمخض عنها تزايد التعاون والتنسيق في تناول القضايا الإقليمية. وعليه نحاول في البلدين الإسهام في الجهود الدولية الرامية للمساعدة في استئناف عملية المصالحة بين الفرق الفلسطينية، وتناول مأساة الشعب الفلسطيني في غزة، وتعزيز الاستقرار في دول مثل العراق ولبنان وأفغانستان واليمن والسودان. كما تتعاون تركيا والسعودية بصورة وثيقة في ما يخص المنتديات الدولية، مثل الأممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وتعد آلية التشاور الاستراتيجي بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي الأولى من نوعها، التي يقرها المجلس مع دولة خارجية.