في رواية (ذئب البحار) لجاك لندن. يُبدي همب إعجابه بوولف لارسن، قائد سفينة (الشبح) الخبير بعلوم البحار، بالإضافة إلى ثقافته الأدبية الواسعة. فيسأله عن تخصصه والجامعة التي تخرج فيها، فيجيبه بمنتهى الثقة (أنا لم أر في حياتي مدرسة من الداخل. هل هناك أسوأ من هذا! كل ما أعرفه يا همب وليد جهد بذلت فيه العرق. لماذا تظنني فعلت ذلك؟ لأترك آثار أقدامي على رمال الزمن). هذا ما قاله بطل الرواية الذي لم يحظ بفرصة التعليم، والعكس يحدث في مجتمعنا فهناك من يدعي معرفته بمناهج وأروقة جامعات لم تطأها قدمه أبداً. وليس من المبالغة القول بأن نسبة كبيرة من الطلاب في المدارس السعودية تخرجوا من مراحل ما قبل الجامعة بالغش والتغشيش المكشوف. يمكن فهم طبيعة التردد المؤسساتي إزاء هذه الفضيحة العلمية الأخلاقية الاجتماعية المدوية، فللبيروقراطية مفاعيلها. وللمحسوبيات سطوتها. ولكن، ما لا يمكن فهمه ولا استيعابه إصرار معظم أولئك على كفاءتهم العلمية وأحقيتهم بشهادات أشبه ما تكون بالعار. واستمرارهم في الاحتماء بحرف الدال المخزي. سواء بقدرات الطالب على خداع المدرس، أو بإرادة المدرس والمدرسة. وهذا أمر يمكن التغاضي عن بعضه. لكن أن يستمر هذا المنحى عند البعض ويتحول إلى موهبة ليحصل على الشهادة الجامعية ثم شهادات الدراسات العليا، فهو معضلة تتجاوز العلمي والمهني إلى الأخلاقي. إن الحصول على شهادة الدراسات العليا عن طريق الرشوة والمراوغة يعادل العار. ومن المخزي أن يكون ضمن الأسرة أو إدارة المؤسسة أو هيئة التدريس في أي جامعة فرد واحد تأتت له شهادته بتلك الطريقة المخجلة. فالجماعة التي لا تستطيع أن تطرد المزورين من محيطها تكون متواطئة معهم على تزييف الحياة وإتلافها. وهذا هو حال المجتمعات التي تمالئ المحتال وتتقبل وجوده في مداراتها. فهي مجتمعات مصابة بالعطالة ولا تمتلك أي أداة من أدوات الرقابة الاجتماعية. على هذا الأساس يمكن القول ان ما فعله وما يؤديه الدكتور موفق الرويلي هو بطولة حقيقية. حيث يمارس من خلال حملته التويترية (#هلكوني) حالة من الكشف الهادئ الرصين لمنتحلي الشهادات العليا. ويؤدي بمسؤولية وحماسة الدور الذي تقاعست عنه الجامعات، والممثليات الثقافية في السفارات السعودية، ووزارة التعليم العالي. كما ينشّط الضمير الاجتماعي المصاب منذ زمن باللامبالاة وسلبية التعاطي مع قضايا التغيير. ما عرضه الرويلي في بداية حملته شكل صدمة عنيفة لمجتمع يعرف نفسه تماماً، ويعي حجم الزيف الذي يعتريه. إلا أن المرآة الفاضحة التي نصبها قبالة المجتمع كانت من الصراحة بحيث زلزلت المقيمين في كذبة شهاداتهم المضروبة، المطمئنين إلى غفلة المجتمع، بعد أن استقروا في مناصبهم المهنية ومكانتهم الاجتماعية التي تسنموها من خلال التحليق على ورقة لا تمتلك أي رصيد علمي على أرض الواقع. ومن الطبيعي أن يستنفر أولئك المتهمون بالتزييف والانتحال لإخفاء أدلة إدانتهم. ومن المتوقع أيضاً أن يكابروا ويشككوا في نوايا من قام بالحملة ومعلوماته. ليس هذا وحسب، بل كان من المتوقع أن يتوعدوا ويهددوا بالقضاء والمحاكم ليوقفوا مسلسل انكشافهم. لكن لا أحد منهم تجرأ على تكذيبه رسمياً. ولم يتمكن أي منهم من تنصيع أي جامعة من تلك الجامعات سيئة الصيت والسُمعة. لقد استطاع أن يحول موضوع الشهادات الوهمية إلى قضية رأي عام. ولأنه حاول إظهار الحقيقة آزره مجموعة من العارفين لإصلاح الاختلال الحاصل في المعادلة الأكاديمية والاجتماعية. وهكذا تدحرجت القضية لتكشف عن خراب هائل. وهو الأمر الذي يفسر عدم رغبة الجهات المعنية بالأمر في اتخاذ أي إجراء عقابي أو وقائي في هذا الصدد. وكأن كل ما قيل ويقال مجرد فشة خلق تويترية. يمكن فهم طبيعة التردد المؤسساتي إزاء هذه الفضيحة العلمية الأخلاقية الاجتماعية المدوية، فللبيروقراطية مفاعيلها. وللمحسوبيات سطوتها. ولكن، ما لا يمكن فهمه ولا استيعابه إصرار معظم أولئك على كفاءتهم العلمية وأحقيتهم بشهادات أشبه ما تكون بالعار. واستمرارهم في الاحتماء بحرف الدال المخزي. والأسوأ هو تلك الفزعة التي قام بها بعض الأكاديميين للدفاع عن أولئك الدجالين، ومحاولتهم العبثية لتبرئة المحتالين المنتحلين وتوجيه اللوم إلى البطل الذي صدع بالحق. إنه العار الذي يدافع عن العار. وبجد هلكونا. [email protected]