تحدثنا كتب السيرة النبوية، أنَّ عدداً من الصحابة الكرام تعرَّضوا للتعذيب، وأنَّ منهم مَن أخذ بالرُّخصة، فنطق بما طلبه منه المشركون بلسانه، وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان، مثل عمار بن ياسر رضي الله عنه، الذي قال ما أرادوا منه بلسانه مكرَها، فذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تَجدُ قلبَك؟ قال: مطمئنٌّ بالإيمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنْ عادوا فَعُدْ) وفيه نزل قوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) ومنهم مَن أخذ بالعزيمة وأبى أن ينطق بالباطل، كسميَّة وبلال وغيرهما رضي الله عنهم، ولعلَّ من شقاوة هؤلاء الغِلاظ الفظاظ أنهم يقدِّمون بين يديهم ما يدفع عنهم رحمة الله ويجلب نِقمَتَه، ففي الحديث: (لا تُنزع الرحمةُ إلا مِن شَقيٍّ) أما المعذَّبون، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخفيفاً عليهم: (والله لقد كان مَن قبلكم يؤخذُ فَتُجْعلُ المناشير على رأسه فَيُفْرَقُ بفرقتين، وَيُمْشطُ بأمْشاطِ الحديدِ ما دون لَحْمه مِنْ عَظْمٍ ما يَصْرفُه ذلك عن دينه، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ تبارك وتعالى هذا الأمر، حتى يسيرُ الراكبُ ما بين صنعاء وحضرموت، لا يخاف إلا الله تبارك وتعالى والذئبَ على غنمه، ولكنَّكم تستعجلون) فههنا صنوفٌ من التعذيب لم يكن أحدٌ يظنُّ أنَّ دولةً ستمارسها في زماننا، كما هو حال سوريا اليوم، حيث يقوم أوغادٌ من أراذل الناس بالاستئساد على الشعب الأعزل، يفعلون بالأطفال من التعذيب ما لا تفعله الوحوش الضواري، ثم نرى دولةً تصف نفسها بالإسلامية، وتملأ الدنيا باللطم والنِّياحة، ماذا سيقول الزبانية الحمقى الذين يُعذِّبون ويقصف العزَّل في المنازل والبنايات بالصواريخ وبمادَّة الريسين الكيمياوية! فَلْيَستمعوا إلى مَن فرق الله به بين الحق والباطل سيدنا عمرَ رضي الله عنه حين قال لجلسائه: أخبروني بأحمقِ الناس؟ قالوا: رجلٌ باع آخرتَه بدنياه، فقال: ألا أنبئكم بأحمَقَ منه؟ قالوا: بلى قال: رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره وبشعارات نصرة المظلومين! ثم ترعى هذا التعذيب بقلبٍ بارد! ونرى كذلك ذلك الحزب الخاسر الذي اسْتَحْوَذَ عليه الشيطان فنسب نفسه إلى الله زوراً وبهتاناً، وإنَّ الله إذْ أكرمنا وأرانا صِدْقَ وَعْدِه للصحابة الكرام، حتى بلَغَتْ أنوارُ هذا الدين سائرَ بقاع الأرض، فعَمَّتْ أقَاصِيَ غَوْرِها ونِجَادَها، فتحقَّق قولُه تعالى: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) فإنا لعلى يقين أنه سيخذل حزب الشيطان (أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) وإنْ رغمتْ أُنوفٌ إن شاء الله تعالى، ولن يَحصد الظَّلَمةُ غيرَ الخسران في الدنيا والندامةَ في الآخرة، بخلاف شهدائنا (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) فلا سواء بين من يُستَشْهَد وبين مَن يَتَّمرَّغ في ذُلِّ المعصية والفجور، ولو عَقَلَ لَعَلمَ أنَّه قد غرَّه وأسْكَرَهُ ما أسْكَر فرعون، وهو شعورُه بالغنى وطول العوافي حتى قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) وهو الآن يَشقى بحُمْقِه وَسُوء فِعْلِه، فماذا سيقول هؤلاء الظَّلمة حين يقفون غدا بين يدي الله تعالى! ماذا سيقول الزبانية الحمقى الذين يُعذِّبون ويقصف العزَّل في المنازل والبنايات بالصواريخ وبمادَّة الريسين الكيمياوية! فَلْيَستمعوا إلى مَن فرق الله به بين الحق والباطل سيدنا عمرَ رضي الله عنه حين قال لجلسائه: أخبروني بأحمقِ الناس؟ قالوا: رجلٌ باع آخرتَه بدنياه، فقال: ألا أنبئكم بأحمَقَ منه؟ قالوا: بلى قال: رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره، وإنني أخاطب الشعب المعتدى عليهم بأنَّ مما يخفِّفُ ألم البلاء عنهم، عِلْمُهم أنَّ الله تعالى هو المُبْتَلِي، وأنه هو الرافع لِمَا ابتلاهم به إذا شاء ومتى شاء، ولْيعلَموا أنَّ واجبَهم بذلُ الأسباب للتخلُّص من هؤلاء الظَّلمة، كما أنَّ عليهم أنْ يَتسرْبَلوا بثوب الصبر فإنَّ مِن قصور النَّظَر أنْ نَظُنَّ انفكاك لطف الله تعالى مِن قَدَرِه (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) وهنيئاً لهم هذا الشعار: (ما لنا غيرك يا الله) فلعلَّ ما هم فيه مِن شدَّةٍ، أشْبَهُ بظلمة الليل البهيم التي يعقُبُها بَلَجُ الصُّبح، وَلْيَعلموا أنَّ العطاء من الخلق حِرمان، كما أنَّ المنع مِنه سبحانه إحسان، فإنَّه لمْ يَمنعهم مِن بُخْلٍ ولا عُدْم، فَلْيَحذروا مِن الاغترار بِقوَّتهم (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا) وَلْيَستعِزُّوا بالله فالنصر مع الذُّلِّ (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) فهو الناصر لهم وهو المفرِّج لِكَرْبِهم وسيُغنيهم بفضله وحده، فَعِزُّ النزاهة ألذُّ على قلوبهم مِن طلب الخلْق، والصَبْرُ على العُسْرة أهون مِن حَمْل مِنَن الشرق والغرب، وأنشدوا: فلا تُلبَسُ النُّعمَى وَغَيرُكَ مُلبِسٌ وَلا تُقْبَلُ الدُّنيَا وَغَيرُكَ وَاهِبُ.