يزن الشخص العدل أفعاله بشرط لازم لا يمكن تجاوزه وهو: الابتعاد عن البغي. وتفادي الظلم أمر لا مفر منه ولا فكاك؛ فلا يستقيم أن تظلم من ظلمك؛ فالخطأ لا يعالجه خطأ. وأن تكون عدلاً فهذا أمر لا يتطلب دراسة في مدارس وجامعات والتردد على صالونات الأدب والمثاقفات العالية، بل يتطلب تربية وتأديباً نابعا من احترام القيم الانسانية الاساسية التي مرتكزها احترام البشر بعضهم بعضاً فقط لكونهم بشرا. وفي كل ما نتابعه مما يجري حولنا، في سوريا مثلاً، او البعيد عنا- في بورما مثلاً- ستجد أن الحس الانساني المبدئي قد تلاشى وانهار. كنت اتابع بألم ما عرضته محطة بي بي سي في أخبار صباح الأمس من حرق ممتلكات وبيوت ومحال المسلمين في بورما، في الخبر كان البوذيون ومن بينهم عدد من كهنتهم يصرخون بأعلى أصواتهم الغاضبة: المسلمون ليسوا برماويين! وأخذ المسلمون البرماويون يغادرون منازلهم خوفاً على أرواحهم وأعراضهم مخلفين وراءهم ممتلكاتهم وما يؤمنون بأنه وطنهم. ومع ذلك، فهناك من لا يتوقف طويلاً عند الرابط الانساني رغم أن ديننا الحنيف اهتم به وجعله في مكانة عالية، بل أننا جميعاً لا نمل من تذاكر أحداثٍ من تراثنا الاسلامي تمنح اعتباراً رفيعاً لعدم تجاوز الروابط الانسانية في السلم والحرب. وهكذا، لا يمكن ولا يصح أن يقبل أحدٌ الاستخفاف باستباحة الدم والعرض والمال، فلا يجب ان يقدم عليها عاقل، ولن يقدم عليها إنسان امتلأ قلبه ووجدانه بقيم الاسلام السامية. كنت اتابع بألم ما عرضته محطة بي بي سي في أخبار صباح الأمس من حرق ممتلكات وبيوت ومحال المسلمين في بورما، في الخبر كان البوذيون ومن بينهم عدد من كهنتهم يصرخون بأعلى أصواتهم الغاضبة: المسلمون ليسوا برماويين! وأخذ المسلمون البرماويون يغادرون منازلهم خوفاً على أرواحهم وأعراضهم مخلفين وراءهم ممتلكاتهم وما يؤمنون بأنه وطنهم. وفي بورما لم أشاهد حرباً بل حقداً، وأخذت أتساءل: ما الذي جرى للقيم الانسانية التي يفترض ان البوذيين يؤمنون بها، مثل: الحب والمودة واللطف والكرم والسعادة، فهذا ما يهتف به الكهان البوذيون في مظاهراتهم وتجمعاتهم، فقتل المسلمين واحراقهم يتناقض مع تلك القيم ومع القيم الانسانية الأساسية. ولن آتي بجديد عندما أذكر أن تفتت الأوطان لا يحدث مصادفة او بصورة مفاجئة بل نتيجة لترعرع بذرة الكره التي لا تبرح جماعة حتى تفرق أفرادها ثم تبعث التباغض بينهم ثم الشقاق ثم الخصام وبعدها الاقتتال والتناحر، وتتفتت بذلك الأوطان وتضعف ثم تتهاوى. ذكرت بورما ووضعها مؤلم بالفعل، لكن المأساة النازفة في سوريا أقرب.. لن أحلل سياسياً أو طائفياً ولا حتى فئوياً، بل أتساءل: كيف يفيد القتل والتهجير في إحقاق أي حق سواء في سوريا أو أي مكان آخر؟ وأجيب: لا يفيد، لكن عندما تُسحق القيم الانسانية يتسيد الظلم فيجلب معه المآسي والضياع. توتير: @ihsanbuhulaiga