يقول الغجر في أحد أمثالهم: (ابق حيث الغناء.. فالأشرار لايغنون) وفي هذا القول درجة عالية من الصحة.. فالغناء يحرك عواطفنا ويراقص مشاعرنا فنهدأ وتداخلنا حالة سلام وحب لكل الأحياء والجمادات. الغناء ليس موسيقى وأدوات وترية لمن يمتنع لتحريمها ولكن الغناء في الأصل كلمة جميلة ونغمة صوتية بصوت الإنسان قبل الآلة ولهذا عندما شاع الغناء في العصر الأموي كان كثير من الشعراء يدفعون بقصائدهم للمغنين لكي يتغنوا بها في مجالسهم حتى الشعراء الفقهاء كان للغناء من قصائدهم نصيب مثل عروة بن أذينة وعبيدالله بن مسعود الذين جاءت تراجمهم في الأغاني وعطاء بن أبي رباح وابن جريج وغيرهم من القضاة والوعاظ. نحن حين نكتب كلمات لقصيدة مغناة لا تظهر في الكتابات ملحّنة بالطبع ولكنها تجد صداها عند من يعرفها ومن لم يعرفها فهي غذاء للروح المبتهجة ودواء للعليلة منها،أما في مجتمعنا المحلي ولهجتنا العامية فقد كان الغناء زادا معنويا يروحون به عن قلوبهم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وكذلك هو الحال في الشرق والغرب وما بينهما فلكل منطقة ألوانها الغنائية المختلفة وألحانها الخاصة في الأداء الصوتي المموسق يتغنون بما يحلو لهم منه في المناسبات الخاصة والعامة للإناث والذكور، يغنون جماعات وفرادى.. تذيق طعم الحب لمن لم يتذوقه وتلفت الأنظار للجمال في الحياة من حولنا إن كان شجرا أو رملا أو جسدا أو برقا. كثيرا ما أسأل: لماذا يكون لمقاطع من الأغاني حضور في مقالاتي؟ فأقول: إن الكلمة هي السر الأول فنحن حين نكتب كلمات لقصيدة مغناة لا تظهر في الكتابات ملحنة بالطبع ولكنها تجد صداها عند من يعرفها ومن لم يعرفها فهي غذاء للروح المبتهجة ودواء للعليلة منها، وعلاقتي بهذه الكلمات بدأت في وقت مبكر من طفولتي مع صوت أمي رحمها الله التي كانت تترنم بالقصائد الشعبية القديمة وهي تؤدي متطلبات الحياة فأراها سعيدة وهي تطبخ وتغسل وتهذب شعر رؤوس بناتها.. كان الغناء يخفف من ضغوط الحياة ويرسم الابتسامة على الوجه العبوس.. كان يشيع الحب والراحة والطمأنينة كنت في الصف الرابع الابتدائي عندما خصصت واحدا من دفاتري لكتابة الكلمات المغناة كبرت وكبر معي عشق الكلمة التي أسمعها وأقرؤها من الآخرين. افسحوا الطريق للغناء في قلوبكم فهو علاجها ولا تحرموه إن جاء بأصواتكم بعيدا عن الآلات التي اختلف فيها.