لدي قناعة كبيرة بأن مهرجان الجنادرية لا يزال بعيدا عن استثماره اقتصاديا وتاريخيا وثقافيا وحضاريا، حيث إنه يفترض أن يكون تجسيدا قويا لحضاراتنا عبر القرون، كما في مدائن صالح والأحساء ومكة المكرمة , وجازان ونجران، وغيرها من مناطق المملكة، التي يقدر احتواؤها على أكثر من عشرة آلاف موقع سياحي حسب الهيئة العامة للسياحة. لقد شهدت هذه المناطق بروز حضارات وأنشطة ثقافية لا تزال غير مكتشفة ونحن ننتمي اليها وتعكس عمقنا الإنساني ودور أسلافنا في تطوير الحياة، وما نقدمه في الجنادرية يبدو كأنه خجول وعلى استحياء لا ينسجم مع القيمة التاريخية الهائلة لتراثنا وتاريخنا، لذا ينبغي أن نمدد ونشرع أجنحة الجنادرية لتجوب كل العالم، ويأتينا جميع أهل الأرض الذين تستفزهم وتحفزهم الحضارات لمشاهدة قيمتنا الأصيلة في الإنسانية، وهناك كثير من الخيارات والمشروعات والبرامج التي يجب تنفيذها بحيث نحقق لهذا المهرجان أبعادا عالمية مؤثرة ولها بصمتها مع مهرجانات العالم، ويمكن أن يكون التنظيم شراكة بين الحرس الوطني ووزارة الثقافة والإعلام والقطاع الخاص، ليتحول الى شكل مؤسسي بنظام ولوائح مؤسسية تخطط وتبتكر وتبدع برامج ومشروعات تطوير توازن بين الأصالة والمعاصرة بحيث لا نتخوف من ضرورات الانفتاح الذي يصاحب تنظيم مثل هذه الفعاليات الكبيرة. حين يتقاطع القطاع الخاص مع العمل الاستثماري من المهرجان لابد أن يكون لذلك تأثير إيجابي في دخل المهرجان، لذلك نأمل في أن يتم التفكير جديا في تطوير المهرجان والانتقال به الى مرحلة عالمية تحقق أضعاف المكاسب التي تتحقق حاليا.كل شيء ممكن حين نفتح الأفق وننظر في جميع التفاصيل والمكاسب التي يجب أن يرتفع سقفها الى طموحاتنا في الاعتزاز والفخر بتاريخنا وحضاراتنا، فنحن لا نزال عند صورة نمطية غير منطقية تتركز في النفط والمال، فيما لدينا ما هو أكثر قيمة بالمشاركة الحقيقية والفاعلة في التطور الإنساني، ومهرجان الجنادرية - بما حققه من مكاسب محدودة في السنوات الأخيرة - يمكن أن يحقق مزيدا منها إذا اتجهنا الى تطوير تنظيمه، وجعله فعالية دولية يمكن أن تشارك فيه منظمة اليونيسكو والمنظمات الثقافية والفكرية الإقليمية. تاريخنا أكبر من أن نتعامل معه على استحياء، وعلى العالم أن يتعرف على مجريات الحياة لدينا بوصفنا صناع حضارة ولسنا تجارا أو منتجي نفط فقط، فذلك دور ثانوي في الصورة الكلية على ما نحن عليه في الواقع، وبدلا من أن نذهب الى العالم يمكن أن يأتينا العالم لنبهره ونذهله بمخزوننا الإنساني والحضاري، بل ودفع المفكرين والعلماء والخبراء والمثقفين الى المشاركة وليس الحضور وحسب، فعندما نستقطب هؤلاء للدراسات والبحوث في الحضارات الإنسانية فإننا نواصل دورنا الإنساني بأفضل مما تقوم به حتى جائزة نوبل التي يمكن أن نجعلها وراءنا إذا أحسنّا التنظيم والتفكير. لابد من الإبداع والابتكار في تنظيم الفعاليات، ويمكن أن نؤسس لأعمال حضارية مهمة تفيد البشرية إذا تم بالفعل استيعاب العقول في المهرجان، وحين يتم ذلك في إطار مؤسسي فإن جميع عمليات التمويل يمكن أن تتم ذاتيا بإنفاق المهرجان على فعالياته المختلفة، الى جانب المردود الاستثماري للفعاليات والمشاركة فيها سواء من خلال المواطنين أو الزوار الذين يأتون في الصيغة السياحية التي من المؤكد أنها ستعمل على تحقيق مكاسب استثمارية منها، وحين يتقاطع القطاع الخاص مع العمل الاستثماري من المهرجان لابد أن يكون لذلك تأثير إيجابي في دخل المهرجان، لذلك نأمل في أن يتم التفكير جديا في تطوير المهرجان والانتقال به الى مرحلة عالمية تحقق أضعاف المكاسب التي تتحقق حاليا. maaasmaaas@