وجد البنك المركزي الأوروبي نفسه من جديد تحت الضغط للتحرك خلال الاجتماع الشهري المتعلق بسياسته النقدية الخميس المقبل، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في قبرص، لكن هوامش المناورة التي يملكها ضيقة جدا. وأوضح الخبير الاقتصادي في مصرف بيرينبرغ كريستيان شولتز إن الأزمتين السياسية في إيطاليا والمصرفية في قبرص “ستؤثران كثيرا على الثقة في منطقة اليورو لبعض الوقت”. وأضاف: إنه في مواجهة عودة التوتر الى أسواق المال وتوقعات النمو السيئة “يزداد الضغط على البنك المركزي الأوروبي لبذل مزيد من الجهود لدعم الاقتصاد. لكن الإمكانات المتوافرة محدودة”. ويستبعد المحلِّلون حاليا خفضاً في معدل الفائدة الرئيسي الذي بقي منذ يوليو في أدنى مستوياته التاريخية عند 0,75 بالمائة، لأن ذلك لن يكون مجديا في الوقت الحالي. ويرى مجلس حكام المصرف ،أن “المشكلة الرئيسية ليست معدل الفائدة الأساسي بل ان معدلات الإقراض في المحيط (الدول التي تواجه صعوبات) لا تعكس سياسة المعدلات المنخفضة”، كما قال ميخائيل شوبرت الاقتصادي في المصرف التجاري الالماني كومرتسبنك. وتتجلى هذه المشكلة في نقل السياسة النقدية التي تحدّث عنها رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي عدة مرات، بضعف القروض في المنطقة. وتعكس هذه المعطيات الشروط الصارمة التي فرضتها المصارف على المقرضين ونقص الطلب وخصوصا من قبل الشركات المتوسطة والصغيرة، مما يثير مخاوف على الانتعاش المأمول في النصف الثاني من السنة. وأضاف: إن البنك المركزي الأوروبي لن يكون مستعدا لشراء سندات تصدرها الشركات، وهو احتمال تحدث عنه بعض الاقتصاديين لمساعدتها في التمويل. أما فيما يتعلق بشراء سندات دول وتطبيق برنامج أقر في سبتمبر، فيجب على الدول التي ترغب بذلك ان تقوم أولا بطلب مساعدة من شركائها وتلتزم ببرنامج إصلاحات صارم. من جهة أخرى، من غير المطروح ضخ سيولة على الأمد الطويل من جديد كما حدث في قرضين منحا في نهاية 2011 ومطلع 2012 لمصارف، بينما بدأت هذه المؤسسات تسدد دفعاتها الأولى. وقال شولتز: إن “أياً من هذه الإجراءات لا يبدو مقنعا”، معولا على رسالة تهدئة من جانب دراجي في المؤتمر الصحفي الذي سيلي الاجتماع حول معدلات الفائدة. ويرى خبراء اقتصاديون في مجموعة كابيتان ايكونوميكس انه “بعدما هدد بسحب البساط من تحت قبرص، قد يكون من الصعب على البنك المركزي إقناع الأسواق بأنه مستعد فعلا لكل ما هو ضروري، من اجل الإبقاء على منطقة اليورو بحدودها الحالية”. ويشير هؤلاء الخبراء الى العبارة التي استخدمها دراجي الصيف الماضي عندما كان خطر التفكك يهدد الوحدة النقدية. وفي الواقع هدد البنك المركزي الأوروبي نيقوسيا بوقف مد مصارفها بالسيولة إذا لم تتبنَ بسرعة خطة إنقاذ لإعادة هيكلة نظامها المصرفي. وأقرت خطة الأسبوع الماضي في نهاية المطاف، جنبت الجزيرة الإفلاس لكنها ستكون مؤلمة للمساهمين والمودعين في اكبر مصرفين قبرصيين. وقال هولغر شميدينغ كبير الاقتصاديين في بيرينبرغ ان هذه الحوادث الجديدة زعزعت المستثمرين لكنها لم تؤد الى هلع، معتبرا ان ذلك “مؤشر جيد”. من جهتها، قالت وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني ان الاتفاق حول قبرص يفترض الا يؤثر بشكل مباشر على تصنيفها لمصارف منطقة اليورو. وأعلن البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي، أنه لم تعد لديه أي شكوك حيال مواصلة إمداد المصارف المتعثرة في قبرص بمساعدات طوارئ، وذلك بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن منح الجزيرة المتوسطية حزمة إنقاذ. وقال البنك المركزي الأوروبي في بيانه: إنه يعترف بالقرار الذي اتخذته مجموعة اليورو بشأن قبرص، مضيفا: إنه لم تعد هناك موانع أمام مواصلة إمداد المصارف القبرصية بالسيولة التي تحتاجها. كان المركزي الأوروبي قد هدد قبل أسبوعين بوقف ضمانه للمساعدات المالية التي تحصل عليها مصارف قبرص بعد الخامس والعشرين من مارس الماضي، في حال لم يتم إعداد وتنفيذ خطة إنقاذ تعطي الضمان لقدرة المصارف القبرصية على الدفع. وكانت قبرص نجحت في التوصل إلى اتفاق جديد بشأن قروض الإنقاذ التي تطلبها. ويسقط الاتفاق الشرط السابق الخاص بفرض ضرائب على الودائع المصرفية والذي واجه رفضا متكررا من جانب البرلمان القبرصي، مقابل إعادة هيكلة أكبر بنكين في قبرص وتحميل أصحاب الودائع التي تزيد على 100 ألف يورو، جزءا من الخسائر الناجمة عن إعادة الهيكلة. وكان إيف ميرش عضو إدارة البنك المركزي الأوروبي قال الأسبوع الماضي: إن الحل الذي تم التوصل إليه لإنقاذ جمهورية قبرص “ليس نموذجا” قابلا للتطبيق في بلدان أخرى بمنطقة اليورو. وأضاف ميرش في مقابلة مع صحيفة اكسبانسيون الاقتصادية الإسبانية: إن “الحل القبرصي ليس نموذجا، بل انها إجراءات خاصة تتلاءم مع وضع استثنائي”. وتابع “لا أرى بلدا واحدا في منطقة اليورو يمكن أن تنطبق عليه الحالة القبرصية”، مشددا “يجب ان نوجه رسالة واضحة للمستثمرين والمدخرين الدوليين بأن أموالهم في أمان في منطقة اليورو”. وميرش يرد بذلك على تصريحات لرئيس مجلس وزراء مالية دول منطقة اليورو يورين ديسلبلويم الذي ألمح في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز ووكالة أنباء، أن الحل الذي وجد لجمهورية قبرص يمكن إعادة تطبيقه في دول أخرى هشة بمنطقة اليورو. ثم عاد بعد ساعات عن تصريحاته ليؤكد ان حالة جمهورية قبرص هي حالة خاصة، وان خطة الإنقاذ لا يمكن ان تكون نموذجا لتسوية مشاكل أخرى في المستقبل. وكانت بينوا كوري احد أعضاء إدارة البنك المركزي قالت: إن ديسلبلويم “اخطأ بقول ما قاله”.