أصبح من المألوف ومن المسلم به سعي الصحافة الورقية التقليدية للبحث عن الأخبار والمتابعات والمانشيتات الجاذبة والصادمة في ظل المنافسة الشديدة والمستعرة ما بين الصحف المختلفة وبين الصحافة الورقية وأشكال الإعلام الأخرى، خصوصا مع ارتفاع مد ما صار يعرف بالإعلام الجديد الذي صار يشكل تهديدا لا يستهان به للإعلام التقليدي بكافة أشكاله وأنماطه. نعرف جميعا قصة «الرجل الذي عض الكلب» كمثال بارز على الخبر المثير وغير المتوقع الذي يصدم القارئ بعكس ما اعتاده تماما. بالطبع هناك تفاوت ودرجات اختلاف بين الصحف في هذا الشأن، غير أن فيروس الإثارة الصحفية، فيما يبدو، قد أصبح من التطور والقوة بحيث استطاع أن يتفشى وينتشر بشكل واضح وملموس على الصفحات الثقافيةليس على المستوى المحلي والعربي فقط، بل وحتى على المستوى العالمي. غير أن الأخبار المثيرة والعناوين الجاذبة عادة ما ترتبط بصفحات أو أقسام معينة من الجريدة كصفحات الرياضة والفن والمجتمع ونادرا ما نجدها في صفحات السياسة أو الاقتصاد على سبيل المثال. وكذلك الأمر بالنسبة لصفحات الثقافة التي يغلب عليها طابع الرصانة والبعد عن الخفة وافتعال المشكلات وتصوير الأمور على غير ما هي عليه في الواقع. وليس ذلك بالأمر المستغرب لأن الثقافة بطبيعتها وفي اللب منها أمر رصين وجاد وبعيد، أو هذا ما يفترض وينبغي أن يكون، عن جموح الأهواء وحدة الآراء وإن لم يخل الأمر من استثناءات قليلة هنا او هناك. نستطيع القول، إذن، أن صفحات الثقافة تتمتع بنوع من المناعة المكتسبة ضد ملوثات الإثارة وأوشابها. غير أن فيروس الإثارة الصحفية، فيما يبدو، قد أصبح من التطور والقوة بحيث استطاع أن يتفشى وينتشر بشكل واضح وملموس على الصفحات الثقافية لبعض الجرائد التي صارت تتفنن في افتعال المانشيتات الصارخة والأخبار المفتعلة والتعليقات المدببة حتى وإن كان ذلك على حساب أبسط المبادئ المهنية؛ فلم يعد من المستغرب أن نرى خبر معركة ثقافية أو تلاسن ثقافي ما يتصدر الصفحة الأولى من الجريدة. كما صار من المألوف أن نتلمس آثار حملات إعلامية منظمة وومنهجة تشنها صحيفة ما ضد هذه المؤسسة الثقافية أو تلك وكأن صفحات الجرائد أصبحت ساحة معركة يصفي فيها الصحفيون حساباتهم مع من يناصبونهم العداء ويكنون لهم البغض لأسباب هي أبعد ما تكون عن الثقافة. [email protected]