هل حدقت في شاعر يقرأ شعره في فضائية ما وأمامه من يحدق فيها اكثر مما حدق في شعره؟ لا اريد منك تقييم شعره لتصبح ناقدا نحريرا لا يشق له غبار ولا يعرف له قرار ويسير في كل مسار.. أريد منك ان تسمع بإصغاء كامل كيف ينطق الكلمات. مثلا (طلع الفجر منتعلا طائر الشوق مشتهيا قبلة الشمس). هذه كلمات عادية موجودة في قاموس التخاطب الاجتماعي ومبنية على قواعد النحو والصرف.. ولكن منشدنا لا يتركها وعفويتها اللغوية. بل يضع في عنق كل كلمة حبلا من مسد ينتقل بها من تقعر الى تقعر أشد حشرجة وتكرارا: ثم يردف: (قبلة الشمس في غفلة القمر المنتظر تفيض على الأمل المنتشر على جبهة الأرض) تسأله المحاورة او المذيعة: هل للأرض جبهة؟ فيجيبها مزمجرا: هذا يسمونه الإبداع الشعري الذي يشترك فيه الوعي واللاوعي.. ثم يردف: (ارى في الربيع شحوب الشجر وأرى الضوء مكتئبا ولا طيف للفرح المنتظر) الله الله يا أستاذ هكذا قالت المحاورة تاركة على وجهها ظلا من الاعجاب الأحمر المسمى (حمرة الخجل) فانتفخ الاستاذ حتى كاد كرسيه ان ينفجر به. ثم اردف: (سأمشي على الماء وان لم يكن فالسراب وأقطف من ناهدات السحاب نشيد المطر وأدني لعينيك ضاحكتين القمر) الله الله يا استاذ متى ثقبت هذا اللؤلؤ؟ أي متى كتبت هذه القصيدة؟ هنا راحت الكلمات تكبر في فمه شيئا فشيئا حتى ان شفتيه ضاقتا عن مرورها ثم قال بعد مخاض: هذه قصيدة لم اكتبها بل هي التي كتبتني.. تصفيق