اختلف الفقهاء في قتل الوالد بولده على قولين: فقال ابن نافع وابن الحكم وابن المنذر بالقصاص ومثلهم مالك - رحمه الله - حيث قال: إن قتله حذفا بالسيف ونحوه, لم يقتل به, وإن ذبحه, أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه, أقيد به. وقال الجمهور : لا يقتل والد بولده لما روي عن عمر أنه قال (صلى الله عليه وسلم) : (لا يقتل والد بولده) وهي رواية مضطربة قيل : عن سراقة، وقيل : بلا واسطة، وقيل رواية كتاب هذا، فضلا عما في سندها وسند متابعاتها من ضعفاء، ولذلك ضعفه ابن القيم رحمه الله وقد ضعفه كثير من أهل العلم ، منهم علي بن المديني والترمذي وابن القطان، وأحمد شاكر وآخرون. وهو استدلال باطل، لأن الابن ليس هو السبب في إعدام أبيه إذا قتله، بل الوالد هو السبب نفسه بجناية القتل، فضلا عن أن هذا تعليل عقل في مقابلة النصوص الثابتة بعموم القصاص وبحرمة النفس التي حرم الله إلا بالحق قال عبد الحق رحمه الله في أحكامه : هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح منها شيء، واحتج الجمهور لرأيهم بأنه روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهي حنظلة بن أبي عامر عن قتل أبيه وكان مشركا، قالوا فيؤخذ من هذا ألا يقتص للولد من الوالد، وهذا الاستدلال غير صحيح ولو صح هذا الحديث لكانت الدلالة فيه نهي الولد عن قتل أبيه في المعركة ولو كان مشركا وليس الحديث وارد في مسألة القصاص للولد من والده. واحتجوا بما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : ( أنت ومالك لأبيك) وهو حديث ضعيف أفردنا الكلام عنه في مقال سابق، واحتجوا له بأن عمر - رضي الله عنه - قضى في من قتل ابنه عمدا بالدية في ماله؛ فقالوا لو كان فيه قصاص لعمل به، وهذا الأثر سنده ضعيف رواه سليمان بن يسار عن عمر وسليمان لم يسمع من عمر، واحتجوا لذلك أيضا بقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) الآية قالوا فهذه الآية تقضي بالإحسان للوالدين وتنهي عن الأف أو النهر فكيف بالقتل ولم يستثن فيها حال دون حال، وهذا احتجاج غير صحيح، إذ الآية تقرر ما يجب للوالدين من حق ومعاملة في غير عدوان منهما. أما العدوان فله أحكامه فكيف إذا كان بالقتل؟ فالنصوص الثابتة عامة ولم تستثن أحدا، واحتجوا بأن الوالد سبب الولد فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه، وهو استدلال باطل، لأن الابن ليس هو السبب في إعدام أبيه إذا قتله، بل الوالد هو السبب نفسه بجناية القتل، فضلا عن أن هذا تعليل عقل في مقابلة النصوص الثابتة بعموم القصاص وبحرمة النفس التي حرم الله إلا بالحق، واحتجوا بأن الوالد لا يقتل ولده غالبا؛ لوفور شفقته فيكون ذلك شبهة في سقوط القصاص، وهذا عليهم وليس لهم فإن قتل الوالد لولده مع توافر الشفقة عليه يعد من أبشع القتل ولذلك يندر وقوعه والعكس أندر؛ ومن وقع منه هذا كان التغليظ بحقه أليق وليس درء القصاص عنه، واحتجوا بأن الإجماع منقول على أن المرء لا يقتل بولده، ونسب ذلك للشافعي - رحمه الله - وهو غير مسلم به، فدعوى الاجماع غير صحيحة فكما ترى الخلاف منقول في المسألة، والحق البين في هذه المسألة العمل بالقصاص لضعف ما احتج به المخالفون ولعموم قوله تعالى : (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد ) وقوله تعالى : (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس).. الآية، وقد صح عنه عليه السلام قوله : ( إن دماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ...) .. الحديث، وروي عنه (صلى الله عليه وسلم) قوله : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم..) .. الحديث، والنصوص في هذا الباب كثيرة ولا يعلم خبر صحيح ثابت يصلح به استثناء الأب من جملة ذلك. [email protected]