أخيراً اتفقت فصائل المعارضة السورية على تشكيل حكومة وتسمية رئيسها. وكان يفترض أن تتحقق هذه الخطوة منذ بدأ نظام بشار الأسد بالتحاور مع السوريين بقنابل الدبابات ومنذ أن بدأ حملات الاعتقال العشوائي للمواطنين لتحويلهم إلى أسرى لدى النظام كي يساوم آباءهم وأمهاتهم في المستقبل. ولأن النظام ورعاته يمارسون مهارة لعب الأدوار واحترافية التضليل للرأي العام الدولي، فإن موسكو، وكي تسحب الأضواء من الاتفاق على تشكيل الحكومة، اتهمت الجيش السوري الحر باستخدام أسلحة كيماوية. بينما موسكو نفسها تأكدت من خلو المناطق السورية المحررة من أية أسلحة كيماوية، وعلى الأرجح أن موسكو نفسها طلبت من النظام، نقل جميع الأسلحة الكيماوية إلى أماكن يصعب على الثوار الوصول إليها إلا إذا سقط النظام وهرب بشار الأسد واستسلمت الميلشيات التي توافدت على سوريا لحماية النظام. ويتعين ألا تخشى موسكو الجيش السوري الحر، إنما يتعين أن تضع عينها على الميلشيات المساندة للنظام التي سوف تسرع إلى الاستيلاء على الأسلحة الكيماوية في حال انهيار النظام وحدوث فوضى، مثلما حدث في العراق في بداية الاحتلال الأمريكي، حينما توافدت الميلشيات الإيرانية والتابعة لإيران سريعاً إلى العراق، واستولت على كل اسلحة النظام والمصانع وتجهيزات الدولة العراقية وشحنتها إلى إيران. ويبدو أن هدف موسكو من الإدلاء بهذا التصريح هو التغطية على نجاح المعارضة في تشكيل الحكومة، بعد أن زرعت موسكووطهران خلاياها في أوساط المعارضة كي تعيق هذه الخطوة، وواضح أن موسكو ترى تشكيل الحكومة خطوة أخرى من الفشل الروسي في الاستمرار بمواجهة الشعب السوري، وايضاً تضعف تعهدات موسكو المستميتة للدفاع عن بقاء النظام، لأن المعارضة لحكومة يعني أنها تدخل نقلة نوعية في الطريق لاستكمال أوضاعها القانونية لتكون ممثلة للشعب السوري بديلاً عن النظام بعد أن اعترفت الجامعة العربية بالمعارضة ممثلا لسوريا، وبعد أن تعهدت 133 دولة بدعم شرعية المعارضة أو الاعتراف بها ممثلا ً للسوريين. وهذا يعني أن موسكو تجد نفسها في المسألة السورية معزولة وشاذة وتسبح ضد التيار مع نظام بشار الأسد ورعاته في طهران. اتفاق المعارضة على تشكيل حكومة وتسمية رئيسها خطوة أولى مهمة. لكن هذه الخطوة تحتاج إلى أن ترسخ فصائل المعارضة السورية من الوحدة وأن تظهر تصميماً على أن وحدة مقاومة النظام هي الطريق الأهم والأقصر لنجاح الثورة السورية وتخليص سوريا والسوريين من هذا الكابوس الذي أثبت عملياً وميدانياً أنه يمثل أبشع صور البغي والعدوان والحقد على كل ما هو سوري وعربي. فليس بعد هندسة المذابح للأطفال السوريين في فرش أمهاتهم أفظع حقداً وجريمة وهمجية من هذا، وليس بعد مهاجمة المدن السورية بصواريخ سكود والطائرات، أكبر تخريب وتدمير لمقومات سوريا الراهنة وهويتها التاريخية.