وقف الشيخ على المنبر مُستقبلاً جموع المصلين الذين اكتظت بهم عرصات مسجده الكبير، وبعد حمد الله والصلاة على نبيه تكلم فقال: من المستقر في العرف السياسي أن رؤساء الدول إذا أرادوا مخاطبة سفرائهم في أمر جلل فإنهم لا يخاطبونهم عبر الهاتف ولا يكتبون إليهم وإنما يستدعونهم للتشاور ليأخذوا عنهم مباشرة بلا حواجز أو وسطاء وحين أراد الله -وله المثل الأعلى- أن يفرض الصلاة على عباده لم يوحِ بها على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يبعث بها جبريل عليه السلام، وإنما عرج به إلى السماء تأكيداً لأهمية الصلاة في الإسلام!. بنحو هذه العبارة كان الشيخ يوسف القرضاوي يتكلم وهو يخطب قبل سنوات عن أهمية الصلاة، فلفت الأنظار، واجتذب الأسماع، وجعل القلوب قبل الآذان تصغي له!. وهذا ما نريده في خطبائنا، صحيح أن خطبة الجمعة شعيرة دينية وشرط لصحة الجمعة؛ لكنها من الناحية الفنية نص أدبي، ينبغي أن تجمع مع الفكرة الدينية جمال العرض وبلاغة العبارة، لاستمالة المصلي لتقبلها واستيعابها، والمتأمل في خطبة النبي (صلى الله عليه وسلم) حين وقف على الصفا يخطب في قريش، أو في خطبة الوداع يجد أن تقنيات الخطبة الفنية من: حسن الاستهلال، وجمال العرض، وبلاغة البيان، وفصاحة اللسان، والتشويق كلها لم تفارق خُطبه، رغم أن قدسية مقامه بين أصحابه كانت كفيلة باستحضار اهتمامهم وإصغائهم، لكنه كان كأنما يُجوِّدُ خُطبه ليتعلم الناس منه ما ينبغي لخطبة الجمعة أن تكون عليه!. وبتأمل واقع خطبائنا فإن المجيد منهم قليل، والكثير منهم لا يتعب في خطبه، لأنه بكل بساطه لا يكتبها، وإنما ينقلها من الإنترنت بعد أن يُجري عليها تعديلات وتلخيصات يسيرة، وإذا كان الحال كذلك فأنى للمصلي أن يتأثر بكلمات من لم يكتب خطبه، وبالتالي فلن تعبر عما في وجدانه بصدق إحساس وشعور؟! خطبة الجمعة رسالة أسبوعية يفترض أن تكون من السمو بمكان بحيث لا تهبط في معالجاتها الموضوعاتية عما يسمعه المصلي في وسائل الإعلام الأخرى؛ وهذا تحدٍ كبير يتطلب ثقافة عصرية عميقة ومتنوعة، إلى جانب العلم الشرعي المطلوب للخطيب!. twitter: @almol7m