لم تعُد الحوادث المرورية في مجتمعنا مشكلة متفاقمة يومًا بعد آخر فحسب بل ما يحدث أكبر من ذلك بكثير إذ إنه وكما أطلق عليه في أحد مقاطع اليوتيوب إرهاب الشوارع ولم يبالغ من أطلق هذا الاسم عليها بأي حال من الأحوال. إن ما يحدث عندنا بالتأكيد هو إرهاب شوارع وحرب طرقات وإلا ماذا يعني أن نتحدث عن حالات وفيات وأرواح تزهق في كل بضع دقائق؟! وماذا نفسر الخسائر المادية التي تقدَّر بالمليارات سنويًا جراء هذه الحوادث الشنيعة؟! الأرقام والإحصائيات التي تتزايد عامًا بعد آخر تثبت أن الأمور خارج سيطرة جهاز المرور حين نحمّله وحده هذه المأساة الكارثية التي مرّ ويمرّ بها مجتمعنا وإن كان هو المعني الأول من الناحية الرسمية بهذه المصيبة الكبرى. إن ما يحدث شيء لا يصدّقه ولا يتفهمه عقل، فهذا الهدر في الأنفس وبهذه الأعداد العالية لا يكون في دولٍ أخرى إلا نتيجة حروب ألم يأن الأوان أن تحدد السرعة في السيارات الجديدة التي ينبغي ألا تتجاوز سرعتها المائة والأربعين كيلو مترًا في الساعة بأي حال من الأحوال وتلزم الشركات المصنعة للسيارات بذلك بالتنسيق مع الشركات والوكالات الموردة ووزارة الصناعة والتجارة ومصلحة الجمارك بإشراف الإدارة العامة للمرور. استمرت لسنوات أو مجاعات وأمراض وأوبئة استمرت لعقود، بيد أننا نختلف عن هؤلاء إذ إننا حوّلنا أداة النقل إلى أداة قتل للأسف الشديد، فأصبحنا نتساوى معهم إن لم نتفوّق عليهم في الخسائر البشرية والمادية. لا يخلو بيت أسرة سعودية من فاجعة حلّت بهم نتيجة حادث مروري شنيع أصيب فيه مَن أصيب وتوفي فيه مَن توفي، فكم سيارة أصبحت قطعًا حديدية متناثرة فلم يبق من أثر لمن كانوا فيها إلا الدماء والأشلاء وكم من سيارة احترقت فلم يخرجوا من فيها إلا جثثًا متفحمة، وكم من مركبة تحطمت من قوة الاصطدام فلم يبق من الضحايا إلا أعضاء متقطعة جمعت في أكياس بلاستيكية إلى المقبرة. أسر بكاملها سالت دماؤهم البريئة لتسقي الأسفلت الملتهب جراء رعونة سائق قد ألقى بنفسه إلى التهلكة، فلم يهلك وحده بل كان سببًا في إهلاك عائلة آمنة مستقرة، فإذا بالبسمات بين أفرادها تتحوّل الى أسى ودموع وعبرات وإذا بالآمال والأمنيات تنتهي إلى قبور متجاورة. وحين قال صاحبي الذي كان كثير السفر بالسيارة إنه شاهد من الحوادث في طرقنا السريعة ما جعله يبكي كالطفل مرات عديدة، فلم أعجب أبدًا لقوله، وذلك الأوروبي الذي عاش في المملكة عدة سنوات وقال: إنني لم أصدّق ما كنت أسمعه عن الأزمة المرورية عندكم حتى رأيت بعيني الحوادث المميتة والشنيعة التي تنقلب فيها السيارات وتحترق في داخل المدن وفي طرق محلية قصيرة وضيقة التي لا تحتمل أبدًا هذه السرعة الجنونية من السائقين. وإن أردنا أن نحدّد المشكلة بدقة فلا شك في أن السرعة هي السبب الرئيس للكارثة العظمى التي تمرُّ بنا، وهذا يدعوني للتساؤل: لماذا يسمح بدخول السيارات إلينا وهي تحمل في مواصفاتها عدادًا تتجاوز السرعة فيه المائتين والثمانين كيلو مترًا في الساعة؟! ألم يأن الأوان أن تحدد السرعة في السيارات الجديدة التي ينبغي ألا تتجاوز سرعتها المائة والأربعين كيلو مترًا في الساعة بأي حال من الأحول وتلزم الشركات المصنعة للسيارات بذلك بالتنسيق مع الشركات والوكالات الموردة ووزارة الصناعة والتجارة ومصلحة الجمارك بإشراف الإدارة العامة للمرور. والحق أننا بحاجةٍ ماسة لاستراتيجية مرورية دائمة ومستمرة لا ترتبط بأسبوع واحد تعلق فيه العبارات التحذيرية وتوزع فيه المطويات الإرشادية فقط، استراتيجية تدعم من الجميع ويشارك فيها الجميع بلا استثناء يجب أن نعلن حالة الطوارئ في مجتمعنا، كما تعلن أيام الكوارث والنكبات للعلاج الجذري لهذه الأزمة المرورية التي لم تبق ولم تذر من شبابنا وأسرنا، الحوادث يا سادة بلغ السيل فيها الزبى، هي كالنار التي تشتعل في الهشيم ولم يعُد الأمر يحتمل التأجيل أو التراخي لنضرب بيدٍ من حديد على أولئك المستهترين وبكل صرامة ودون تمييز. twitter: @waleed968