ليست استطلاعات الرأي والاستفتاءات هي الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نقيس الرأي الجمعي لقضية ما، بل أحيانًا تكون أحاديث المجالس ووسائل الإعلام والوسائط الإلكترونية هي المقياس بوصفها النبض الحقيقي للشارع، ذلك النبض الذي يخرج بشكل عفوي وتلقائي. ولا يمكننا بحال أن نستبعد هذه الآراء التي تطلق بين فينةٍ وأخرى وتأخذ طابعًا ظريفًا، بيد أنها تحمل في مكوّناتها مجموعة من الرغبات الكامنة ذات السمة التراكمية التي تتحوّل مع الوقت إلى قناعاتٍ ثم سلوكيات متناغمة ومفاجئة. قد لا يتوقع مَن يرسل رسالة ظريفة أو يناقش هذه القضية إعلاميًا في المقارنة بين فتاةٍ خليجية وأخرى لبنانية أو مغربية تلك المآلات التي يمكن أن تنتج لفئة الشباب بتوجيههم للزواج من غير بنات بلدهم أو حتى للمتزوجين حين تشعل فيهم هذه الرسائل الفحولة الزائفة والرغبة في التعدد بالزواج من الخارج ولعل من أشد الصور وضوحًا ونقاءً تلكم الصورة المتكررة الموغلة في الإبداع والتنوّع والمغلفة بالنكتة والطرفة والمموّهة بالمزح هذه الصورة التي تدفع بشكل قوي ومركّز لتكون رأيًا جمعيًا قد تكون آثاره المجتمعية غاية في السوء. ويتصدّر المشهد المثال الأبرز الذي يقارن بين الفتاة الخليجية والفتاة الشامية والمغربية، ذلك المشهد الذي يتكرر كثيرًا في المجالس وأحاديث العمل الجانبية ولا تخلو منه مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب ورسائل الواتس اب ومقاطع الكييك. ومن السذاجة أن ننظر لهذا التيار الجارف الذي يدندن بقوة على هذا الوتر الحسّاس على أنه من وسائل استدعاء الضحك وتزجية الوقت والتسلية لأنني أزعم أنه محرّك رئيس لتغيّر القناعات في ذهنية الشباب المقبلين على الزواج ذلك أن هذا التكرار المركّز لن ينتهي بانتهاء المجلس أو تسجيل الخروج من موقع ما أو تصفح رسالة وإغلاقها بل سيكون في قادم الأيام عاملًا تفضيليًا موجهًا تجاه الزواج من بلد معيّن. ومشكلة القناعات أنها ترتبط بخيال لا تحدّه حدود وتصوّرات غير واقعية وأحلام لحياة مثالية لا ينغصها شيء والحق أن الأمور خلاف ذلك تمامًا ولكن كيف نقنع أو نغيّر من تفكير أولئك الذين تشرّبت عقولهم لسنوات هذا الأمر وأصبح أمر الزواج من الخارج ما هو إلا مسألة وقت حين تكتمل المادة أو تتهيّأ الظروف. وقد لا يتوقع مَن يرسل رسالة ظريفة أو يناقش هذه القضية إعلاميًا في المقارنة بين فتاةٍ خليجية وأخرى لبنانية أو مغربية تلك المآلات التي يمكن أن تنتج لفئة الشباب بتوجيههم للزواج من غير بنات بلدهم أو حتى للمتزوجين حين تشعل فيهم هذه الرسائل الفحولة الزائفة والرغبة في التعدد بالزواج من الخارج على أن ذلك الأمر يقل ضرره حتمًا عن أولئك المهاجرين للشمال والغرب بذريعة العشق والحب فيضيعون أخلاقهم ودينهم ولن يجدوا هناك إلا سرابًا يحسبه الظمآن ماءً. في الأسبوع الفائت كنت أستمع في السيارة لبرنامج إذاعي يناقش عزوف المرأة الخليجية عن الطهي لأسرتها واعتمادها على الخادمة أو طلبات المطاعم الخارجية، وكان هناك شبه إجماع على أن هذا هو الواقع المؤسف لكل النساء الخليجيات لكن أحد المتصلين أعاد الاسطوانة المشروخة فقال للمذيعة بعد أن دمّر كل صفة حسنة لربة المنزل الخليجية أنه سيتزوج بلبنانية لأنها ستعدّ له وتطعمه (التبولة). وفي مثل هذا الاتصال العابر سيرى كثيرون أنه رد مثير للسخرية والضحك وآخرون ربما يظنون أنه رد تافه لا يستحق التوقف عنده كثيرًا لكن الأمور لكي تحلل بشكل صحيح ودقيق ينبغي ألا ينظر لها بسطحية أو أن نترك اللب وننشغل في القشور هذا الرد يحمل تضمينًا هائلًا للمقارنة بين بنت البلد الكسولة وبين البنت الشامية التي ستوقد أصابعها العشر خدمة لزوجها المدلل. والمؤسف أن مستوى الردود على هذه التيارات من الرسائل المكوّنة للرأي الجمعي لا تحمل إلا دفاعًا هشًا لا يصمد طويلًا أمام صفات غريبة تلصق بالفتاة الخليجية كصفة (أم الركب السود) هذه الصفات التي أؤكد أنها لا تحمل نوايا حسنة بتاتًا وقطعًا هي موجّهة من أطراف خارجية مستفيدة في المقام الأول وحين تسير الأمور بهذا الاتجاه حتمًا سيكون الخاسرون ابن وابنة البلد. twitter: @waleed968