دخل علي رجل يشكو من غضب زوجته عليه وهجرانها له ولا يعرف كيف يتصرف معها فقلت له : إن كثيرا من المشاكل التي نراها كبيرة ومعقدة يكون علاجها بخلق صغير وتصرف بسيط فقال لي: ماذا تقصد ؟ قلت له : جرب أن تدخل اليوم بيتك وتسلم على زوجتك وتبتسم في وجهها ثم تحدث معها فإنها ستستجيب لك، فالابتسامة خلق صغير ، لكن مفعولها كبير فنظر إلي باستغراب فقلت له : لا تستغرب، لكن جرب فانطلق ثم عاد وقال لي: صدقت وما كنت أتوقع أن هذا الخلق الصغير له معنى كبير. استوقفتني هذه الحادثة وبدأت أتذكر أخلاقا وأعمالا صغيرة، لكن معانيها كبيرة ولهذا قيل : (رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية ) والأصل ألا نحقر من الأعمال شيئا كما قال رسولنا الكريم : (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، رجل أعمال شهير سألته مرة من أين لك هذه الثروة العظيمة ؟ فقال بسبب أمي فظننت أنه ورث هذا المال منها، لكنه شرح لي قصده بأن أمه أصيبت بغيبوبة لمدة سبع سنوات وكانت في العناية المركزة بالمستشفى فكان كل يوم يزورها ويمسك قدمها ويدعو لها قبل الذهاب لعمله في الصباح واستمر على ذلك إلى أن توفيت فبارك الله له في رزقه بسبب بره بأمه وأعرف رجلا غير مسلم كان سبب دخوله الإسلام ما فعله زميله بالجامعة من دفع حساب وجبته للهمبورغر وقت الغداء فاستغرب من تصرفه ومبادرته فأجابه المستضيف إن هذا من إكرام الضيف عندنا في الإسلام فكان هذا العمل الصغير سببا في دخوله الإسلام، وأب اشتكى لي مرة من عصيان ابنه المراهق رغم كثرة العقوبات التي فرضها عليه فقلت له: جرب أن تعالج مشكلته بالحوار والكلمة الطيبة فلما جربها كان مفعولها معه مثل السحر ، وأعرف فتاة تعيش في أسرة مفككة تقدم لها خاطب فعبرت لي عن مخاوفها وتشاؤمها من نجاح زواجها فقلت لها: كوني متفائلة ولا تستسلمي لوساوس الشيطان فقاومت التشاؤم وسعدت بزواجها، ورجل أعمال شهير سألته مرة : من أين لك هذه الثروة العظيمة ؟ فقال بسبب أمي فظننت أنه ورث هذا المال منها لكنه شرح لي قصده بأن أمه أصيبت بغيبوبة لمدة سبع سنوات وكانت في العناية المركزة بالمستشفى فكان كل يوم يزورها ويمسك قدمها ويدعو لها قبل الذهاب لعمله في الصباح واستمر على ذلك إلى أن توفيت فبارك الله له في رزقه بسبب بره بأمه. هذه مجموعة قصص من الواقع عشتها أنا شخصيا (بأخلاق صغيرة، لكن ذات معان كبيرة) واستوقفتني خمسة أحاديث نبوية تفيد نفس المعنى وتشجعنا على عمل أعمال صغيرة تقودنا لرضا الله تعالى ودخول الجنة، فالأول في الغرس والثاني في الهدية والثالث رفع الأذى والرابع سقي الحيوان والخامس مسامحة المعسر. فأما الأول فقد فقال رسولنا الكريم : ( ما من مسلمٍ يغرس غرساً أو يزرع زرعاً ، فيأكلَ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقة ) والثاني ( يا نساء المسلمات لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسَنِ شاة ) يعني عظم قليل اللحم، والثالث (لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنة في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس ) والرابع ( أن امرأة بغياً (أي : فاجرة) رأت كلباً في يومٍ حارّ يطيف ببئرٍ قد أدلع لسانه من العطش (أي أخرج لسانه) ، فنزعتْ له بمُوقِها (أي : استقت من البئر بخفِّها) فغُفر لها ) والخامس ( كان رجلٌ يُداين الناسَ، فكان يقول لفتاه : إذا أتيتَ معسراً فتجاوز عنه ؛ لعل الله يتجاوز عنا قال : فلقي اللهَ، فتجاوزَ عنه ). هذه خمسة معان لأخلاق بسيطة، لكن مفعولها كبير وهذه الأحاديث تشجعنا على العمل وبذل السبب ولو كان قليلا فلا نستهين بالقليل وفي الأمثال (إرجع بهدية من السفر ولو كانت حجرا ) وأذكر مرة كنت مسافرا مع الدكتور عبد الرحمن السميط لبلدة في أفريقيا وزيارة القرى الفقيرة هناك فلما دخلنا القرية قدم لي أهل القرية هدية عبارة عن غصن شجرة فيها بعض الأوراق وقالوا لي: هذا كل ما نستطيع أن نقدمه لك ومازلت أذكر هذه الهدية حتى اليوم ولا أستطيع أن أنساها رغم بساطتها، فالعطاء - ولو كان قليلا - هو عطاء وجميل، فلنحرص على القليل المستمر حتى يصبح كثيرا فمن يقرأ أربع صفحات من القرآن الكريم بعد كل صلاة يختم القرآن الكريم في شهر واحد، ومن يقرأ كل يوم 20 دقيقة يقرأ مليون كلمة في الشهر فلا نستهين بالعمل القليل، فقليل دائم خير من كثير منقطع. @drjasem