قد لا يكون دانيال دي لويس، الفائز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيس لهذا العام، في مثل شهرة بعض ممثلي هوليوود من فئة «الخمسة نجوم» مثل توم كروز أو براد بيت أو براد بيت، إلا أنه بكل تأكيد واحد من أفضل ممثلي هوليوود عبر تاريخها كله، حسب آراء نقاد الفن ودارسيه، ومن وجهة نظر شخصية، قد لا أفضل عليه أي ممثل آخر من عمالقة الفن الذين عرفتهم وتابعت عددا لا بأس به من أعمالهم، ورغم أنه مقل في أعماله عبر مسيرته التي بدأت في ثمانينيات القرن العشرين، إلا أنه يثبت في كل واحد من تلك الأفلام تقريباً. يثبت لنا دانيال دي لويس أنه بمقدار ما تخلص لفنك يخلص فنك لك، وهو مثال حي للفنان الذي يكرس نفسه لفنه ويذوب ذاته فيه، ولا يلهث وراء النجومية و «الحضور» الدائم إنه لا يقبل الظهور إلا بدور يليق بموهبته الكبيرة ويفجر من خلاله طاقاته الهائلة في تقمص وتلبس روح الشخصية التي يقوم بتجسيدها، ورغم أنه لا يزال في الخامسة والخمسين من عمره، إلا أنه نجح في تسجيل ما لم يسبقه له أحد من ممثلي هوليوود عبر تاريخها الطويل، إذ إن هذه هي المرة الثالثة التي ينال فيها جائزة الأوسكار كأفضل ممثل. المرة الأولى كانت في 1989م عن فيلم «قدمي اليسرى» الذي قدم فيه واحداً من أصعب أدواره وأكثرها تطلباً، حيث كان يلعب شخصية مصاب بالشلل، ولفرط حرصه على تشرب تلك الشخصية بكل حذافيرها لم يكن يكتفي بتمثيلها أمام الكاميرا فقط، بل وراءها أيضاً، إذ كان يصر على عدم التخلي عن الكرسي المتحرك، وكان طاقم الفيلم يتكفل بنقله من مكان إلى آخر. الفيلم الثاني الذي نال عنه الجائزة المرموقة كان «ستكون هناك دماء» عام 2007م، وفيه قدم أيضاً واحدة من الشخصيات المركبة التي يصعب نسيانها. أما المرة الثالثة، فجاءته الجائزة عن لعبه الشخصية الرئيسة في فيلم ستيفن سبيلبرغ الأخير «لنكولن» عام 2012م، ومع أنني لم أشاهد هذا الفيلم بعد، إلا أنني كنت شبه متيقن من أن دي لويس سيخطف الأوسكار للمرة الثالثة، لأنه لا يدع شاردة ولا واردة تخص الشخصية التي يجسدها دون أن يضعها في حسبانه. يثبت لنا دانيال دي لويس أنه بمقدار ما تخلص لفنك يخلص فنك لك، وهو مثال حي للفنان الذي يكرس نفسه لفنه ويذوب ذاته فيه، ولا يلهث وراء النجومية و «الحضور» الدائم كي لا ينساه الجمهور الذي يبحث عن المتعة العابرة.