لم تكن زيارة الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية، للأحساء الأربعاء الماضي، إلا تأكيداً لروابط قوية، تاريخية ونفسية، تجمعه بهذه البقعة الغالية من أرض بلادنا، والتي لمستُ قدراً كبيراً منها بنفسي، خلال تواجدي هناك. ولعل حرص سموه على الالتقاء المباشر بالأهالي، والاقتراب الحميمي منهم عبر زيارة العديد من البيوت الأحسائية والتقائه المواطنين في 16 من مجالس الأسر فيها، وضعت هذه الروابط موضع التأكيد العملي للنهج الذي تتخذه القيادة منذ مراحل التأسيس، والتي عايشها سموه بنفسه، قبل سنوات، حينما كان نائباً لأمير المنطقة، وها هو سموه يجذّره مرة أخرى، عبر زيارته الأولى بعد توليه مسؤولية إمارة الشرقية، وللأحساء تحديداً، في تأكيد جديد لمكانة أحساء العراقة والتاريخ والثقافة والفكر والأدب في نفس كل سعودي. ولا أبالغ إذا قلت، إنني لم أُفاجأ بكرم الضيافة الأحسائي، لشخصية في قامة «أبو عبد العزيز»، ذلك أن بلد النخيل والأصالة، تشهد لها ثمارها ورطبها، بكل حفاوة، وتسامح عشناه وعايشناه سوياً منذ قرون التاريخ الأولى، فيشعُّ علينا بكل قاماته ورجالاته وأعماله وغرسه الطيّب.. ولعل ما مثّله الشاعر العربي بتسامي النخيل أصبح موضع الفخر جيلاً بعد جيل. فالنخيل الذي ضرب به الشاعر بيته الخالد: كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً تُرمى بحجرٍ فتسقط أطيب الثمر يعطينا المثل الأعلى في سمو النفس، وكرم الأخلاق، والتسامح غير المحدود، سواء مع الذات، أو مع الآخر، فيكون لنا درساً أصيلاً وأخلاقياً نعتز ونفخر به، وما أحوجنا إليه في نفس الوقت. هكذا هي الأحساء، التي فتحت لنا ذراعيها وقلوبها بالحب والترحاب، وهكذا هي الوجوه الطيبة التي قابلتنا، فوجدنا فيها كل تقاليدنا وعراقتنا وأصالتنا.. زادها الزمن صلابة، وجعلت منها الأيام سيرة متجددة لمسيرة دائمة. وهنا تقفز لذاكرتي، عبارة الأمير سعود بن نايف، والتي قالها خلال استقباله أهالي الأحساء، عن عطاءات أبناء الأحساء للمنجزات السعودية والتي لا يمكن حصرها في سجلات التاريخ «لتبقى إحدى مصادر العطاء والإشعاع في هذه البلاد في مختلف المجالات» لتكون تلخيصاً أميناً لمكانة هذه البقعة الجميلة في نفوس الجميع. هكذا هي دُرّة التاريخ، التي استقبلتنا، بأرضها ونخيلها، وأشجارها، وبيوتها التي باتت معلماً من معالم بلادنا، لتذكرنا دوماً بالجذور الضاربة في عمق الأرض، نتوارث سقياها بماء الحياة التي ترفرف في كل قراها وضواحيها.. فتفيض علينا علماً وأدباً ونهجاً متزناً يُضاف إلى مخزون النهضة والتراث والعمران السعودي الزاخر بكل الأبعاد والمحاور. في الذاكرة أشدُّ بحرارة على يد سمو الأمير بدر بن محمد محافظ الأحساء و الذي كان هو الآخر في قلب الحدث من حيث المشاعر و المحبة من أهالي الأحساء ... كان الثناء على سموه من أبناء الأحساء أمام أمير المنطقة كبيراً و عظيماً .