تسرح بمشط أبنوسي شعرها المصبوغ بالحناء لكن الخيوط البيضاء من شعرها بارزة لتحكي قصة السنين العجاف من دونه، ثلاثون عامًا مرت بعد رحيله. لا زالت تتذكر أول ملامسة بينهما ، وذلك حينما سقط اللوح الخشبي الذي تكتب فيه الحروف التي تعلمتها في الكتاتيب فسبقها إليه ليعطيها إياه ، كانت صغيرة في السن لم تعرف ما جرى لها من رعشة فهي حتى الآن لا تعرف ما الفرق بين الذكر والأنثى . كانت أمها تردد دائمًا أنها له وتقول مريم لحسين وحسين لمريم، فهو ابن عمها الوحيد وأعرافهم تقول أن البنت لابن عمها مهما حدث، لكنها مع الأيام تعشقته، فهي تختلس النظرات إليه من وراء الحجاب كلما جاء لزيارة أبيها فأعرافهم أيضًا كانت تعيب عليهما أن يريا بعضهما قبل احتفالات الزواج. (( يا معيريس عين الله تراك القمر والنجوم تتغنى وراك )) ليلة الزفاف هي الليلة الأولى لهما معًا... كانت النساء يدفعنها إلى عش الزوجية في المنزل العتيق ويصاحبنها ببعض من الكلمات التي تثير خجلها بما سيحدث لها هذه الليلة . أخذت تكمل تسريح شعرها بالمشط الأبنوسي الذي أعطاه لها في تلك الليلة. لقد وعدته وهو يحتضر بين نحرها وصدرها أنها ستظل تتزين له كل ليلة حينما يأتي إليها روحًا دافئة ، لكنها كانت تزيل زينتها كل صباح قبل أن يراها أحفادها فيسألونها عن هذه الزينة لمن؟. ذرفت من عينها دمعة أخذت تتابعها في المرآة وهي تنحدر على خدها وسقط المشط من يدها مع سقوط الدمعة على المنضدة وهوت بعدها على الأرض لتلحق بحبيبها.