د. عبدالله الغذامي مازال عضوا فاعلا في السجالات الأدبية التي تشهدها الساحة السعودية و العربية، وكانت ومازالت كُتُبه تثير جدلا واسعا بين النقاد والمثقفين. و يُعدُّ د. الغذامي من الاصوات التي أسهمت في صياغة المشروع الثقافي للنادي الأدبي في جدة من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات..سيرته الذاتيه مليئه بالانجازات والفعاليات والابداعات الثرية.. «الجسر الثقافي « في مبادره لاستكناه مايدور على الساحة من سجالات ودور الدكتور الغذامي فيها ،وأيضا الإبحار في عوالمه الثرية. كان لنا معه هذا الحوار الذي ألقي بعض الضوء على مسيرة حافلة وتاريخ مضيء. ثقافة الصورة كيف تقيم الحراك الثقافي في المملكة هذه الأيام؟ -هذه الأيام وغيرها نحن في مرحلة ثقافة الصورة وهي لا تختصر على الشاشة كما هو يبدو ظاهره ،ولكنها تشمل الخطاب الفكري والمقالة والرواية، بل حتى الخطابات التشخيصية مثل الفقيهة والتعدد الفكري وكل يلزمه الآن ان يأخذ بخصائص ثقافة الصورة، أي الاختصار بالدقة والمباشرة والتلوين بمعنى ليس مجرد اللون ولكنه الحيل الجاذبة ومثلما يجذب اللون العيون فإن الأفكار أيضا تجذب البصيرة. المثقف العربي في رأيك أين يقع المثقف السعودي على خارطة الثقافة العربية؟ -اعتقد انه في مجال النظرية النقدية وفي مجال الإبداع الشعري والسردي هناك تحقيقات تنم عن منجز ينسب الى أسماء من ثقافتنا السعودية وهذا واضح في أذهان القراء ----- فيما يشيرون الى أسماء محددة بوصفهم وبوصفهن سعوديين وسعوديات. الربيع العربي هل تعتقد أن ما يسمى بالربيع العربي قد غيّر مفهوم المثقف واسقط الأقنعة عن بعض المثقفين؟ بكلِّ تأكيد ودون أن أدعي إنني سبقت الحدث وأشرت إليه في كتابي «الثقافة التلفزيونية، سقوط النخبة وبروز الشعبي،» المركز الثقافي العربي، بيروت / الدارالبيضاء، 2004 وكان هذا قراءة للمؤثرات، غير ان الربيع العربي تجاوز المؤثرات وجعل القضية حقيقية واقعية وليست افتراضاً بحثياً. كائن سياسي بعض المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي يلاحظون في تغريداتك الميول السياسية.. هل يعدّ هذا تأثرا بالربيع العربي؟ - أكره الحديث عن النفس لكن لابدّ لي أن أقول: إنني في طفولتي كنتُ مع الوالد نستمع الى الراديو في 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر ،وكنت أشعر حينها وأنا الطفلُ الصغير أن والدي بيده رشاشاً ويقف على قناة السويس، هذا في ظني تلخص ذاكرتي كلها. وأرى بالضرورة ان كل إنسان عربي هو كائن سياسي بالضرورة. عناوين ومصطلحات في الآونة الأخيرة خرجت لنا مصطلحات وعناوين «إخواني وعلماني وليبرالي».. ماهي قراءتك؟ لهذه الظاهرة ..وهل ترى العناوين تشير إلى حقائق في المجتمع؟ -لا بأس بوجود العناوين والمصطلحات هذه وفائدتهما الكبرى، إنهما يلخصان خطرا في الأسئلة مثل هذا السؤال ،مما يعني ان المصطلحات خطأ كانت أو صح فهي محفزات الى التأمل، فبالتالي هي خطأنا في المعرفة ولنفترض عدم وجودها ،هل كنّا سنُفكّر فيها، وهذا سؤال يشير إلى الجدوى المعرفية والبحثية من وجود هذه المصطلحات. سقوط النخبة من الناقد الذي يلفت انتباه الغذامي؟ وهل بالفعل لدينا نقاد في المشهد الثقافي؟ - تعرف إجاباتي عن سقوط النخبة وبروز الشعبي لن أخالفه وأنا معه، فأقول عن الفرد الرمزي مرة أخرى، ولكني سأقول لك: إن الحس النقدي هو العلامة الأبرز في خطابٍ ثقافي عام مثل «تويتر» وكل المغردين ينتقدون وبقوة في أن الناقد التقليدي صار عرضة للانتقاد وللتجريح أي أن النقد انتقل من إمبراطورية النقاد إلى جمهورية الجماهير ،وهذه يقع عليّ مثل غيري أي سقوط النخبة. النقد الثقافي أين يرى الغذامي نفسه.. في السياسة أم الإعلام أم الأدب؟ - الحقيقة إنني أرى نفسي في بحر النقد الثقافي وقراءة ثقافة الصورة هو عالمي الآن. ثقافة الشاشة كيف ترى الصحافة الورقية في ظل التطور الإلكتروني والقنوات الفضائية؟ هل نحن أمام نموذج جديد للإعلام أم أنّ ا لصحافة ستبقى.. وإلى متى؟ - كل ما هو ورقي سيبقى لكنه لن يكون في المقدمة الأمامية كما كان، لأن ثقافة الشاشة هذه ذات العادة إلّا أنه وكما تغلّبت الكتابة على الشفهي في فترة من الفترات دون ان تلغي الشفهي فإن الشاشة تتغلب على الكتابة وعلى الورقي، لكنها لن تلغيهم، هي الأولى وما عداها يتلوها. الخطاب السياسي انخراط الكثير من المثقفين السعوديين بالشأن السياسي.. هل جاء على حساب الجانب الثقافي؟ وهل هو مواكبٌ للتغيرات في المنطقة؟ -الواقع أن الخطاب السياسي هو أحد معالم الواقع الثقافي، هناك من يقرأ في السياسة حسب قيمتها التداولية وهذه وجه من وجوه، إنما الوجه الثقافي حول مصطلحات مثلاً ،وكذلك حول مصداقية الحدث ووضعيّته، كلّها أسئلة في الفكرة والمصطلح الثقافي هو عيبٌ منهجي ولا يجعل الكاتب صاحب مصداقية كافية ،اللهم إلّا إذا كان له ظرفٌ لا يسمح له وحينئذٍ لابد لنا أن نقرأ الظرف المانع وليس الوقوف عند حدود الكتاب الممتنع ،يعني نأخذ الصور بوجهيْها ونقيم النقد حيثئذٍ. حرية التعبير كيف تقرأ الصراعات الكتابية بين المثقفين والنقاد في مواقع التواصل الاجتماعي ؟ -طيّبة جدا لأنه أولاً :هي وجه من وجوه حرية التعبير ،وهي ثانياً: وجه من وجوه كشف المخبوء والمسكوت عنه، وكل ما ظهر المخبوء فإن هذا يساعد على التعامل معه . المعنى البيروقراطي تجربة انتخابات الأندية ماذا عنت للدكتور الغذامي؟ - أُرحّب بها ومازلت، بل إنني رفعت القيد الذي كنت أعلنته سابقا بالمقاطعة للأندية بسبب إيقاف الانتخابات في عهد الوزارة السابقة، أما الآن فالانتخابات تحدث وحدثت ،هذا من حيث المبدأ، أما عيوب التجربة فيجب ألا تدفعنا إلى النكوص عنها، وإنما يجب ان نفعل هذه التجربة بالتعلّم من أخطائنا ويجب كذلك الدفع بالجمعية العمومية لكي تتحرك وتناضل من اجل الثقافة، والعيب كل العيب هو في بعض المثقفين والمثقفات الذين يلجأون الى الوزارة كل لحظة وأخرى، طالبين منها التدخل لحل مشاكل الأندية بدلا من الرجوع الى الجمعية العمومية وتحريكها لكي تكون هي المرجع وليس الوزارة. يجب ان نعرف ان كل عودة إلى الوزارة هو تعزيز للمعنى البيروقراطي والابتعاد عن المعنى الانتخابي ،وهذا هو المأزق الذي يمرّ به بعض المثقفين والمثقفات فيفسدون اللعبة كلها. هذه المرارة د. الغذامي.. ماذا كسبت من الإعلام والسياسة والأدب - هناك مرارة شديدة بكل تأكيد ولكني تعلمت من هذه المرارة.. أين أجد موقع قدمي، ثم كيف أُربي نفسي على تقبّل الآخرين بكل واقعية ولا أتنكّر ولا أستغرب وجود المطبّات والأوجاع ،لهذا صار عندي حَصانة، بحيث ان هذه لا تكسر ظهري وأظلّ سائراً مهما كانت مطبّات الطريق. وطبيعتي وتكويني تبتعد عن الرسميّات وعن الرسميّين حينما كنت في جدة كان أصدقائي يستغربون مني إنّ صداقاتي في كثير منها هي مع وزراء معفيّين أو سابقين وليست مع وزراء في مناصبهم ،وكنت أشعر بالارتياح لأن الطرَف الذي أمامك ليس مصدر إغراءٍ رسمي، ولكنه مصدر خِبرة، بالفعل لا أرتاح ولا أحس بجاذبية تجاه أيّ مسئول في منصبه، ولهذا عشت وأتعايش مع كتبي ولكتبي. أحاول دوما ممّا يخاف د. عبدالله الغذامي؟ -هناك قولٌ لأبي عمرو الأشدق «أني لا أستحي من الله أن أخشى معه أحداً» أحاول دوما أن أكون مثل أبي عمرو هذا.