الصراع المصلحي في العراق يعبر بصورة واضحة عن الكيفية التي تدار فيها الأمور في البلد الشقيق . وحدثت مطبات ومفاجآت كثيرة تستدعي التفكير بخطورة الصراع الحزبي والمصلحي في قمة السلطة في العراق، حيث يتبادل الخصوم والحلفاء الأدوار بصورة دراماتيكية، وذلك يعني أن مزاجية إيرانية شديدة التقلب تحرك الدمى في المشهد العراقي. كان رئيس الوزراء نوري المالكي الموالي لطهران علناً وعملاً، يستميت في الدفاع عن نزاهة هيئة «المساءلة و العدالة» التي تنفذ برنامجاً للتطهير العرقي والطائفي واجتثاث العرب تحت ستار اجتثاث البعثيين. ويقول وطنيون عراقيون إن طهران تدير الهيئة وتوجهها. ورفض المالكي مطالب العراقيين العرب بإلغاء الهيئة بعد أن كثرت انحرافاتها ومفاسدها وانتشرت روائحها بحيث لم يكن باستطاعة أي مواطن عراقي محترم الدفاع عن شرعية وجودها. وكان المالكي يدافع عن الهيئة وقانونها ونزاهة مسئوليها. ولكن يوم أمس انقلب السحر على الساحر وانقلب الحلفاء إلى خصوم. وفي نطاق لعبة تصفية الحسابات المصلحية، قرر المالكي طرد رئيس الهيئة فلاح شنشل من منصبه متهماً إياه بالتدليس، وأن الهيئة تمارس دوراً سياسياً، فقط لأن رئيس الهيئة أعلن تشكيكات تتعلق بموقف رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود الذي يبدو ان المالكي وطهران يعتمدان عليه في برنامج التطهير القضائي الموازي لبرنامج الاجتثاث. لهذا قرر الإطاحة بشنشل، لكن مجلس النواب طلب من رئيس الهيئة الاستمرار في منصبه. وهذه واحدة من المعاركة المألوفة بين الأجنحة العراقية الموالية لطهران، وكثير ما تمت تصفيات قاسية بين هذه الأجنحة بهدف التقرب إلى طهران أو اثبات الولاء لها. وإذا كان المالكي يشهد بأن هيئة اجتثاث البعث سياسية، فكيف يتحجج بتوصياتها حينما يود الإطاحة بشخصيات عربية أو تفعيل برنامج التطهير العرقي، ووصم أي عراقي لا يوالي طهران بأنه بعثي أو من عملاء النظام السابق. ويعرف المالكي أن عشرات الآلاف من العراقيين سقطوا ضحايا لقرارات هيئة الاجتثاث هذه. لكن بعد أن أدانت الهيئة أحد شركائه في جرائم التطهير أصبحت أعمال رئيسها سياسية وفاسدة. ولا يبدو يوجد أي أفق أمام العراق كي يخرج من أزماته المستمرة، ما لم يعود المتنفذون فيه إلى الواقع، ويعترفوا أن العراق أكبر من أن ينحني لخططهم ومؤامرتهم، وأكبر من أن يستكين لأحلامهم الطوباوية التي تطمح إلى تجريد العراق من عروبته وهويته. وأن برنامج «تفريس العراق» نهج فاشل ولا يمكنه إلا أن يكون أحلاماً في مخيلات اتباع طهران ومواليها. وغضب المالكي لأن هذه الخصومة السياسية مع هيئة الاجتثاث سوف تضعه في موقف بالغ السوء، إذ أنه يستخدم ومنذ سنوات طويلة أحكام القضاء المشبوه لتنفيذ برنامج التطهير، إذ يزج القضاة بأسماء كل من لا يوالي طهران بتهم الجرائم والإرهاب وغيرها لتهاجم حملات المالكي المدن العراقية وتجلب المعتقلين جماعات وتحقق معهم وتجبرهم على الإدلاء باعترافات عن مشاركات بأعمال إرهابية ثم يدينهم قضاء المالكي وتعدمهم ميلشيات طهران.