لا يمكن لمن اعتاد قراءة السرد الروائي أن تفوته تلك الملامح السردية في كتاب (الهروب إلى النجاح) للدكتور سعيد أبو عالي، و رغم أن الكتاب لا يحمل على مقدمة غلافه الصقيل الفاخر سوى العنوان و اسم المؤلف إلا أن خلفية الغلاف يحمل هذه العبارة على لسان المؤلف (هذا الكتاب سيرة ذاتية ....) فلا مناص أن نحتسب هذا العمل على جنس السيرة الذاتية التي يفتقر إليها أدبنا العربي و السعودي بشكل خاص فيما عدا القليل و القليل جداً. سيكتشف القارئ خلال قراءته للكتاب سيرة تحمل في جوانبها الكثير من المعاناة و القوة و الصراع و الذي لم نكن لنعلم بها لولا أن البطل/ الراوي استطاع شق طريقه خلال تلك العقبات الكأداء إلى القمة ليقف عليها مطلاً على ماضيه المتعب و الممتع بثقة المنجز لأحلامه و اهدافه. لن يقاوم القارئ الابتسام أحيانا من تأثير بعض المواقف التي سيمر عبرها لشدة طرافتها. في الكتاب تختلط ملامح السرد الفني بملامح السيرة الذاتية التسجيلية لكنه يظل شاهداً مهماً على مرحلة تطور المجتمع. صفحات الكتاب مرصعة بصور قديمة و ذات قيمة تاريخية من ناحية الشخوص التي مرت خلال نمو أحداث السيرة أو الأماكن التي لا شك انه قد أصابها الكثير من التغيير منذ ذلك الوقت مما يعزز القيمة التوثيقية للعمل. وبالعودة إلى الملامح السردية التي بدأنا الحديث بها نقرأ من الكتاب ما يلي: «صباح السبت الخامس من المحرم 1371ه و الشمس ترسل أشعتها إلى قريتنا من أعلى قمة الجبل ، خِلتها زرقاء تختلط بخضرة ؛ لأنها تتسلل خلال أشجار العرعر الكثيفة ، أطفال القرية غادروها متسلّقين جبال الندرة المكسوة بأشجار العرعر»..ص65 و أيضاً ما يلي: «أشرقت الشمس و ملأت الأرض ضياء، و أسبغت على القرى و الوادي و الشعاب و الجبال هدوءاً عجيبا. خرجت إلى الشرفة أمام باب المجلس المخصص لاستقبال الضيوف فرأيت بعض أهالي القرية وبناتها يسوقون أغنامهم إلى المراعي، وعندئذ تساءلت عمّا إذا كانوا يعلمون أنني سأعيش بعيداً عنهم...».ص83 ما يصلك من الفقرتين السابقتين هو إحساسٌ بأنك أمام عمل سردي متقن فالوصف العميق و الحركة الدءوبة للمخيال السردي و العاطفة الرومانطيقية التي تشع من الكلمات المتولدة من حالة النستالجيا (الحنين) إلى الماضي ستجد دون شك أثرها على القارئ و ستدفع به للتوغل في قراءة الكتاب وسيعثر على الكثير من هذه المناطق السردية المتفرقة بالأخص في جزئه الأول في مذكرات القرية و مشقة البدايات في قرى الجنوب مع أسماء شخوص جنوبية موحية بنفس أسطوري مكتوبة بلغة تشعرك بصدقها. يحفل الكتاب أيضا بالكثير من الملامح التاريخية و المخزون الذهني العميق المتخمر و الانتقالات إلى مناطق حضارية متباينة تحمل مفارقات و إدهاشاً تروى من خلال صوت الراوي العليم، و رغم المعاناة التي تحملها ثنايا الكتاب، لن يقاوم القارئ الابتسام أحيانا من تأثير بعض المواقف التي سيمر عبرها لشدة طرافتها. في الكتاب تختلط ملامح السرد الفني بملامح السيرة الذاتية التسجيلية لكنه يظل شاهداً مهماً على مرحلة تطور المجتمع. @attasaad1