هذا الدخل الكبير من المال خلال عام 2012، والذي فاق كل التوقعات، هل تدركون حقّاً ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل هذه البلاد الطيبة؟ وهل لديكم إحساس وشعور من أي سماء هبطت علينا هذه الأموال، التي بشهادة مُعدِّي الميزانية، تفيض عن حاجتنا المترهِّلة؟ وهل في ظنكم أن هذا الدخل السنوي الذي ينهال علينا بإشارة من غمضة عين سوف يدوم، والدوام لله؟ أليس من البداهة أن نتساءل، ولو من باب حب الاستطلاع، من أين وكيف وإلى متى؟ لو عرفتم الحقيقة لتغير الفرح إلى ترح! الأنعام هي التي تأكل مما يُقدَّم لها ولا تسأل عن مصدر طعامها ولا عن بدايته أونهايته. وحاشا لله أن نكون كالأنعام، فالله سبحانه وتعالى ميّزنا وفضلنا على كثير ممن خلق، فنفخ فينا من روحه ومنحنا عقولاً نفكر بها ويسر لنا طرق كسب المعيشة بمجهودنا الخاص، ومن ذلك استنتجنا أن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضة والعجب كل العجب، أن تشاهد منْ يملكون الكثير من رؤوس الأموال وكِبار المقاولين وهم يسبرون مصير هذه الثروة النقدية بين أيدينا ويتم الإعلان عنها في بداية كل عام. وهم دون شك يعلمون أن لهم نصيب الأسد من محتوياتها. أما الفقراء والمعوزون فلا نسمع لهم « حِساً « ولا ضجيجاً، لأنهم يدركون أن وضعهم لن يتغير كثيراً ما دام أنهم لن يطولهم منها إلا « الطشاش «، على الرغم من التوجيهات السامية التي توصي بشئونهم خيراً. ودَخْلنا ينطبق عليه المثل الشعبي، « ما هان مدخاله هان مطلاعه «. فالصرف كبير والإسراف هو ديدننا. وهذه خصوصية لا يشاركنا فيها إلا إخواننا في دول الخليج العربي، فمصيرهم لا يختلف عن مصيرنا لتشابه الظروف المعيشية والاجتماعية. وهم يواجهون التحديات نفسها التي نحاول نحن التغلب عليها، وإن كنا لا نزال نتعثر عند أول خطوة من الألف خطوة، ألا وهو العمل على إيجاد مصدر دخل ثابت لا يعتمد على المصادر النفطية. وبصرف النظر عن مقدار دخلنا القومي، كونه يفيض عن حاجتنا أو حتى لو كان أقل من تقديرات الميزانية، فالأكثر أهمية هو من أين أتى هذا الدخل الكبير؟ والجواب بسيط، تسعين في المائة منه عبارة عن صافي مبيعات المشتقات النفطية التي نستخرجها من حقولنا بتكلفة مُتدنية جداً وبمجهود بشري متواضع. فنحن، بطبيعة الحال، وبمحض إرادتنا شعب غير مُنتِج، وفي الوقت نفسه مستهلك شَرِه، وهذا قمة التناقض! فنحن لا نجهل أن النسبة الكبيرة من دخلنا نحصل عليها من ثروة ناضبة ولا يمكن بحال من الأحوال تعويضها. الذين بأيديهم زمام الأمور والنخبة من أبناء الشعب يعرفون ذلك جيداً، فمنهم منْ يتأسَّى على الوضع وينذر من العواقب، وهم قِلة، ومنهم منْ لا يُعير للمستقبل ما يستحقه من الاهتمام. ولعلكم تذكرون أننا بدأنا منذ أربعين عاماً في وضع خطة خمسية، مدتها خمس سنوات، كان من أهم بنودها العمل على إيجاد مصدر للدخل مستقل عن المداخيل النفطية بأشكالها وألوانها، من أجل بقاء الحياة على هذه الأرض بعد نضوب النفط. وقد فشلنا في تلك المهمة فشلاً ذريعاً خلال السنوات الماضية لأسباب نرجِّح أن تكون لها علاقة بكميات الإنتاج الكبيرة التي نضخها إلى السوق النفطية ونجني من ورائها مبالغ كبيرة أدَّت إلى تخديرنا وشلت تفكيرنا وإرادتنا. تصوروا لو أن هذه الثروة المحدودة التي نعيش على مداخيلها الضخمة عبارة عن كعكة كبيرة، نأكل منها يومياً ما نشاء. ولا بأس من أن الذين يملكون أذرعا طويلة يتعدون « حافتهم « ويخبصون بأيديهم وسط الكعكة. ولكن قليلا منهم الذين يدركون أن الكعكة لها حدود. أما بقية أفراد الشعب فلا يرون إلا الحدود المواجهة لهم، ولذلك فهم يأكلون منها بنهم شديد وبدون خوف من أن يأتي اليوم الذي لا يجدون فيه أثراً للكعكة المباركة. وويل لهم من ذلك اليوم الأسود، فسوف تكون صدمة لهم. فهل يليق بنا أن نتجاهل مصيرنا وندفن رؤوسنا في الرمال، ونحن نردد ما كان يقوله آباؤنا في الماضي البعيد عندما يصيبهم شيء من الخير، الله يطول عمر عبد العزيز؟ إنه لمن المؤسف أن لا نرى حِراكاً إيجابياً لا من المسئولين في الدولة ولا من النخبة خارج النطاق الرسمي التي تتحمل جزءاً من المسئولية. لقد مر بنا أكثر من ستين عاماً ونحن نعيش على مصدر واحد قابل للنضوب، ولم نسأل يوماً ما عن مصيرنا وأعدادنا تتضاعف كل عشرين عاماً. ومن سوء التدبير، جلبنا الملايين من العمال والخدم والطامعين ليشاركونا في تقاسم هذه الثروة التي تكاثرناها على أنفسنا. وما زادنا ذلك إلا كسلاً وخمولاً، ونحن نظنها زيادة في الرفاهية وما أدراك ما الرفاهية!. ولا نبالغ إذا قلنا إن نسبة كبيرة من العمالة الوافدة تنهش ثروتنا من بين أيدينا نهشاً برضا منا، أو هي غباوة من البعض وإهمال من المسئولين. فهم يتصرفون بأموالنا بحرية لا يجدونها في بلدانهم. ونحن نحسب أننا نحسن صنعاً. والمصيبة أننا نربي أجيالنا الحاضرة ليكونوا أسوأ من حالنا، لأن الموسرين منا يغدقون على أولادهم بطريقة أقل ما يُقال عنها إنها تقتل الطموح لديهم فيظنون أن هذه النعمة سوف تدوم لهم. والسؤال المهم في هذا المقام هو: هل من الأفضل لمستقبل شعوبنا أن نحثهم على العمل والإبداع وزيادة الإنتاج الفردي واحتلال موقع متميز بين الأمم، أم نثبط هممهم ونعِدَهم، أحياناً عن جهل، بأن لدينا ثروة لا تنضب؟ اتقوا لعنة الأجيال يا كتابنا الأفاضل بقول الحق أو الصمت! ولا تتقوّلوا على المسئولين وتفسّروا أموراً على غير مجراها الحقيقي فتضَلوا وتُضِلّوا، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.