في هذه المرحلة من حياتنا يا (ليلى)..ونحن نجاورُ القلقَ والألمَ بكثافة مثلما تتجاورُ الثواني في مساحة الدقيقة.. في هذه المرحلة، نبدو وكأننا منبوذون خارج المنطق.. نطفو على بحيرة الأوهام كالطحالب الحزينة، ونحاول أن نزيِّن الحياة فيما هي تحاول أن تكنسنا منها. ولكن علينا أن نصنع من حُبِّنا سُلَّماً يصعد بنا فوق سطح اللحظة كي نطلَّ على مدائن الزمن الآتي. في هذه المرحلة من حياتنا، نحن نفتضُّ بالحُبِّ الصريح عذريَّةَ الصحراء عبر افتضاض أحد تقاليدها، ونخوض في لجَّةٍ تاريخيةٍ من دماء بكارتها، فلابدّ أن نتعلَّم التجديف في الدم. أَجَلْ ، إنّه الدم الذي لا نراه بالعين المجرّدة، ولكنَّنا بالتأكيد نراه بما وراء العين المجرَّدة. لا شيء مما يحدث الآن يدلّ على النهاية فالنهايةُ ضخمةٌ جدا وتحتاج إلى حدثٍ بحجم ضخامتها كي تقع. لسنا نعلم أنّ أسطورةً خضراء سوف تتخلَّق حولنا وتمنحنا أجنحةً من خيالاتها كي نسافر معها عبر الأجيال، إلاَّ أنَّنا - من دون وعي- نسجنا الريش الأوَّل الذي منح هذه الأسطورة قدرتها على الطيران. هاهي حديقتنا الطفلة قد كبرت طولا وعرضا، وسوف تشتبك أشجارُها بأشجارِ جيراننا وتنقل إليها العدوى الجميلة.. عدوى الاخضرار.. مهما طال الزمن. نحن لم نحاول أن نحاكم المجتمع أو أن نهزمه ، وإنما حاولنا أنْ نحاكم، وأنْ نهزم الفكرةَ التي يحملها هذا المجتمع في رأسه عنَّا بوصفنا سيلا يهاجم سدًّا قديما. لقد وصلنا في الطريق إلى نقطة اللا عودة حتى لو حاولنا أن نعود.. هي رحلتنا من الخطأ الجميل إلى الخطيئة الأجمل.. هي رحلةٌ قد تتجاوز أعمارَنا، ولكن من أجل أن نكون عشَّاقا أحرارا يستحقُّون البقاء، يجب أن نصنع من موتنا طاقة عظيمة تستطيع إدارة محركات الحياة من بعدنا، وتوليدَ وقودٍ كافٍ لاستمرارنا واستمرار أهدافنا. ها هي حديقتنا الطفلة قد كبرت طولا وعرضا، وسوف تشتبك أشجارُها بأشجارِ جيراننا وتنقل إليها العدوى الجميلة.. عدوى الاخضرار.. مهما طال الزمن. ولا بدَّ أن تتَّسع الحديقةُ وتصبح بحجم هذه الصحراء كلِّها فمسيرة الحبّ لا تعود إلى الوراء. أنا لا أنظر بعين الحاضر وإنما بعين المستقبل فأكاد أرى الغد كتابا مفتوحا أمامي وأقرأ تفاصيله التي تشير إلى أننا سوف نتزوَّج يوماً ما ونتناسل عبر سلالاتٍ قادمة لأنَّ الحُبَّ خُلِقَ ليبقى ولا يمكن لأحد أن يُفنيه. ولكنْ من المبكِّر جدا أن نتزوَّج ونحن على قيدِ الحياة، فربما يحدث زواجُنا بعد قرونٍ من وفاتنا أو أكثر أو أقلّ. هذا الزواج لن يحدثَ في شخصينا، إلا أنه سوف يحدث حتماً في عاشقَينِ قادمَينِ من سلالةِ تجربتنا، أكاد أراهما على شرفة الغيب يتناجيان بِاسْمَيْنَا ويرويان قصَّتنا وينتهيان إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنَّ العشَّاق قد ينهزمون أحياناً، ولكنَّ العشق لا ينهزم أبدا، ولا بدَّ أن يأتي اليوم الذي ينتصر فيه العشقُ والعشَّاقُ معا.