تقول الأسطورة وأريد من الأسطورة مغزى إن لون ثمر شجرة الكرز أبيض في الاساس ، لم يكن بهذا اللون الجميل المبهج ، وتحوله جاء نتيجة لقصة عاشقين شغوفين ببعضهما ، ومتيمين بالحب والترابط والوجد . كان العاشقان يلتقيان تحت شجرة كرز عملاقة ، تحتفظ بأسرارهما ، وتنتشي بعذوبة أحاديثهما ، وتبتهج بهذا العشق الرائع الذي يجمع بين قلبين ، ويوحّد بين روحين ، وتمنحهما من صلابتها وتجذرها وحفيف أغصانها قوة ، ورومانسية ، وتحريضا على التمسك بالحب كأساس حياة ، ومعنى لوجود . في ليلة من ليالي لقاءاتهما ، تأخرت الفتاة عن موعد حبيبها ، وظل ينتظر إطلالتها بكثير من اللهفة والشوق والهيام ، لكن مع الوقت ظن أن فتاته هجرته والعشاق ينكسرون بسرعة وينهزمون عند أدنى ظنون فقطع وريده وسالت دماؤه تحت شجرة الكرز ، وبعد أن فارق الحياة إذ بالفتاة تأتي مسرعة متلهفة مشتاقة تسعى الى مشتاق ، فلما وجدت فتاها وقد سالت دماؤه عرفت أن ذلك بسبب تأخرها عن موعد اللقاء ، فلم تتأخر وقد تلبسها الحزن ، وسكنتها الفجيعة ، من قطع وريدها لتمتزج دماؤها بدماء عشيقها وترتوي شجرة الكرز بدماء العاشقين المتيمين . ومن يومها تحوّل ثمرشجرة الكرز من أبيض الى أحمر قان ، مبهج ، عذب يسرالناظرين والآكلين . انتهت الأسطورة ، عبرنا الى المغزى ، نضع نقطة على السطر . ونبدأ موضوعنا والمقال . يقول المثل العربي ، وأمثالنا كثيرا ماتأتي حكيمة ، وذات تعليم وتدريب وفهم : " إذا أردت أن تطاع فسل مايستطاع " بمعنى إذا كنت تريد أن تكون مؤثرا في الناس ، وفي إقامة حوار مع عقولهم بحيث تجذبهم اليك ، ويتفاعلون مع آرائك وأفكارك وماتطلبه منهم في شؤونهم الحياتية ، والمسلكية . فاطلب منهم مايمكن تحقيقه ، ويسهل تنفيذه ، بحيث يكون الأمر واقعيا منطقيا ومعقولا . قرأت أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي نقدر جهودها ونشكرها قد أصدرت قرارا يمنع الفتيات من ارتداء الملابس الحمراء هذا اليوم ، الذي يصادف يوم الحب " فالانتاين " . وأعترف أنني عجزت عن فهم المنع ، وفهم كيفية تطبيقه ، بغض النظر الآن عن المنطق ، وصوابية القرار . ونسأل : هل ستقيم الهيئة حواجز في شوارع مدن المملكة وقراها وطرقها السريعة ، لتضبط أي فتاة تلبس الاحمر ، وتجبرها على تغيير ملابسها الى الأسود . نكاية بمفاهيم اللون الأحمر ؟ ثم ، وكثير من ثم ، لماذا نحاكم الناس على النوايا ، ونسيء الظن بأذواقهم ، ونطاردهم حتى في أدق تفاصيل حياتهم ، بحيث نقنن لهم ملابسهم ، وننمّط أذواقهم ، ونفرض عليهم اختياراتنا في الملبس والمشرب ؟ أسئلة صادمة ، وكثير غيرها كبيرة ، تلتبس بها حياتنا ، وتؤزم مساراتنا . وأمامها نصمت ، والصمت لغة !! .