أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات الأردنية النتائج النهائية لعملية الاقتراع، التي انتهت عملية فرز الأصوات فيها صباح الخميس. وقال رئيس الهيئة د.عبد الإله الخطيب، في مؤتمر صحافي عقد أمس، إن "عدد المقترعين في مختلف الدوائر الانتخابية بلغ 1288043 ناخبا وناخبة، فيما ناهزت نسبة الاقتراع النهائية 56,69 %، من أصل 2,3 مليون ناخب مسجل". وأظهرت نتائج فرز أصوات الناخبين بروز ظواهر جديدة في المشهد التشريعي في الأردن، إذ فاز أشقاء وأقرباء، ومعتقلون متهمون بارتكاب جرائم انتخابية، وأصحاب ملايين، فضلا عن الموالين للنظام. وحصل النائب السابق خليل عطية، المعروف بكنية "البلدوزر"، على أعلى الأصوات في مختلف أرجاء البلاد، محافظا على ترتيبه – بحصوله على 19280 صوتا - كأكثر نواب الأردن شعبية للمرة الثالثة على التوالي. وفاز نحو 30 رجل أعمال، ممن تتجاوز ثرواتهم المليون دينار، بمقاعد في مجلس النواب السابع عشر، في تنامي واضح لوجودهم السياسي والتشريعي مرتبط إلى حد بعيد باستخدام مفرط للمال السياسي في هذه الانتخابات، وفق تقارير المنظمات الرقابية المحلية والدولية. وحفظ 4 موقوفين بسجن الجويدة، متهمين بارتكاب جرائم انتخابية، من بينها استخدام المال السياسي للتأثير على إرادة الناخبين، مكانا لهم في مجلس النواب الجديد، وهو ما يفتح الباب واسعا حول شرعية عضويتهم حال أدانهم القضاء الأردني. غير أن المفاجأة كانت بفوز قائمة حزب الوسط الإسلامي بالمرتبة الأولى بين القوائم المرشحة، ما يشي بأن دورا مقبلا ستضطلع به في المرحلة القادمة، يتوقع المراقبون أن يكون منافسا لدور حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، التي قادت قوى المقاطعة الانتخابية الحزبية والشعبية. وفي تناقض، أخفقت قائمة المواطنة، التي حظيت بدعم قوى سياسية من أصول فلسطينية، وكذلك قائمة الحراثين، التي حظيت بدعم قوى شرق أردنية متشددة تطالب بسحب الجنسية الأردنية من الأردنيين من أصل فلسطيني، في بلوغ مجلس النواب الجديد، الأمر الذي فسره المراقبون بأنه "دليل على نزعة المكونات الشعبية الأردنية نحو التوافق". وضمنت النساء 15 مقعدا لهن في مجلس النواب السابع عشر، موزعة وفق نظامي "كوتة المرأة" و"الدوائر العامة والفرعية". وحظيت ثلاث عائلات بمقاعد نيابية لأشقاء وأقرباء، هي عائلة عطية، وفازت بمقعدين لشقيقين، وعائلتي المجالي والحياري، التي فازت الأولى بثلاثة مقاعد والثانية بمقعدين. ولم يغب الإعلاميون عن المشهد النيابي المقبل، فقد فاز إعلاميون صحافيون وأصحاب وسائل إعلام بسبعة مقاعد نيابية، فيما قضى مرشح إعلامي نحبه أمس في حادث سير قبيل إعلان النتائج. وفي سياق آخر، أفرزت عملية الاقتراع وفرز أصوات الناخبين ردود أفعال متباينة في الشارع الأردني، فقوى المعارضة والمقاطعة اتهمت السلطات الحكومية بالتلاعب بنسب الاقتراع، لغايات إضفاء الشرعية على انتخابات مشكوك في نزاهتها. وقال نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية زكي بني ارشيد، احد قادة "تيار الصقور"، إن "نسبة الاقتراع غير منطقية"، واصفا العملية الانتخابية ب "المسرحية". واعتبر بني ارشيد، في تصريح ل "اليوم"، أن "المبالغة في رفع نسبة الاقتراع تكشف حجم التزوير الذي شهدته الانتخابات". ورجح بني ارشيد أن "المجلس الجديد سيوصل الأردن إلى حالة الانسداد مرة أخرى، ولكن بسرعة اكبر". وفي بيان استباق إعلان السلطات الرسمية للنتائج النهائية للانتخابات، قالت الحركة الإسلامية إن "نسبة الاقتراع الحقيقية لا تزيد عن 24.8%". تشكيك الحركة الإسلامية بالعملية الانتخابية، رافقه تشكيك من جهات أخرى، فالجبهة الوطنية للإصلاح، التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، وجهت انتقادات لاذعة للعملية الانتخابية، ورأت أنها "تفتقر إلى النزاهة والشفافية". وقالت الجبهة، في بيان تسلمت "اليوم" نسخة عنه، إن "غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح تقف وراء خروج الانتخابات النيابية بهذا القدر من التشكيك وعدم المصداقية. أمنيا، شهدت مختلف مناطق الأردن أعمال عنف احتجاجية على مجريات عملية الاقتراع والفرز، كان أشدها في محافظة معان، التي لجأ المحتجون فيها، عقب تغيير نتائج الاقتراع فيها وإعلان فائز آخر بمقعد نيابي، إلى حرق مراكز أمنية ودوائر رسمية، وعدد من المدارس الحكومية، فضلا عن إغلاق الطرق بالحجارة وإطارات المركبات المشتعلة. كما شهدت محافظات العقبة والكرك والمفرق واربد احتجاجات وأعمال شغب، استخدمت قوات الأمن الغاز المدمع لفضها، فيما دفع الأمن الأردني بتعزيزات دركية إلى هذه المحافظات. وفي ذيبان، التي انطلق منها الحراك الشعبي الإصلاحي في الأردن قبل عامين، خرج المتظاهرون – بعد منتصف ليل الأربعاء - إلى الشوارع . ولا يزال المشهد الأمني في مدينة السلط مفتوحا على كافة الخيارات، حيث فقدت صناديق الاقتراع وسجلات الناخبين وأوراق النتائج النهائية، فيما بدأت السلطات تحقيقات حول ملابسات الأمر. وفي حادثة هي الأولى أردنيا، فرض المراقبون الأوروبيون وجودهم في جلسات التحقيق حول فقدان صناديق الاقتراع في السلط، وهو ما حاولت السلطات منعه دون جدوى، وفق مصادر "اليوم". وتولى 7020 مراقبا محليا و512 مراقبا دوليا مراقبة الانتخابات الأردنية، التي جرت في ظل إجراءات أمنية مشددة، من بينها نشر 47 ألف دركي في مختلف مناطق الأردن.