«الزعل» تعقيد في العلاقة للتعبير عن الاحتجاج على تصرف غير مقبول ، فهي آلية انفعالية لمعاقبة الطرف الآخر نفسياً ، وهذه الرسالة تصل بسهولة عن طريق اختلاف اللغة بتنشيف العبارات واختصار التواصل اللفظي إلى أقل مستوياته أو قطعه نهائياً ، ويعبر الجسد عن الزعل بما يصطلح عليه «البوز الممدود» الذي يغير ملامح الوجه وتعابيره . ثقافة الزعل عندما تنتشر في محيط فإنه يتحول إلى بيئة خصبة للمشاحنات ومسلسل مستمر من فقد الاستقرار ، وثقافة الزعل عندما تتجاوز حدودها يتلذذ المتأثر بها بسماع أبيات «العتاب والتشره» على القصائد التي تفيض بالحب والوئام حتى وهو لايعيش حالات الخصام ، وقد يتحول الزعل مع كثرته إلى حالة ادمانية لاستشعار الألم النفسي . مشكلتنا أننا نترك وسائل تعبيرية كثيرة ونختزل ردات فعلنا دائماً بالزعل !! ، وللأسف كثير من الذين يملكون نضجاً عقلياً لا يملكون نضجاً انفعالياً فيتعاملون مع المواقف التي تغضبهم بطريقة لا تليق بعقولهم الناضجة ، فالزعل هو ردة الفعل الوحيدة لأتفه المواقف!! . والبعض لا يعبر عن احتياجاته بشكل مباشر فيبحث عن الزعل لكي يلهث الآخر في البحث عن الاحتياجات ! ، وبعضنا يهرب من الخطأ الذي ارتكبه بافتعال زعل لأي سبب ، ولا تعجب أن ترى من يبحث عن الزعل ليحصل على شهوة الاسترضاء !. إننا بحاجة إلى إعادة صياغة الثقافة التي نتعامل بها مع خلافاتنا ، وأن نرفع من اللياقة النفسية بتحجيم الزعل في حياتنا إلى حدوده الدنيا ، فهذا حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام يخرج من حجرة عائشة ليلاً فتلحق به ورياح الشك تدفعها ونار الغيرة توهمها بأنه خرج لاحدى نسائه فتكتشف أنه يزور المقبرة داعياً لأصحابه فترجع بسرعة لكي لا يفتضح أمرها ويدخل عليها الرسول ونفسها ثائر وهي تتظاهر بالنوم ، فيسألها النبي فتنكر ثم يهددها بأنها إن لم تخبره فسيخبره الله من فوق السماوات فتعترف له الزوجة التي شكت في زوجها ، وخرجت من بيته بدون إذنه ، واقتصرت ردة فعل النبي على دفعة يد خفيفة من محب على صدر حبيبته وجملة عتاب قصيرة بست كلمات : ( أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله ) تنهي الموقف في حينها . رحم الله تلك العجوز التي سمعتها تقول : ( لا يصبح الزعل عليكم ) كناية عن المدة التي لايجب أن يتجاوز فيها الزعل 24 ساعة ، والرسول عليه الصلاة والسلام نهانا أن يمتد الهجر فوق ثلاثة أيام ، ونجد أسوأ الأحباب من يجيد فتح ملف الزعل ولا يجيد اغلاقه ، فالمدد الطويلة لهذه الحالات من الهجر تتغذى على جمال أرواحنا وتفتك بابتسامات نفوسنا. الصفحات السوداء عندما تنتهي حالة الزعل الأولى احرقها ، وإياك أن تخزن هذه الصفحات في ملف تفتح أرشيفه مع كل حالة زعل جديدة . والمبادرة لإنهاء حالات الخصومة دلالة على اتساع القلب وقوة الحكمة وليست مؤشراً على ضعف الشخصية وامتهان الكرامة ، ومن بادرك بتقبيل رأسك معتذراً فقبل يده شاكراً .