لو أن أمهات مائة من السوريين الذين غيبهم نظام الأسد في ظلمات معتقلاته احتشدن أم قصره وتوسلن إليه كي يطلق سراح فلذات أكبادهن، لما استجاب. وسبق أن توسلت آلاف الأمهات لإطلاق سراح أبنائهن من سجون نظام الأسد وكانت توسلاتهن تلاقي آذاناً صماً، هذا إن لم يلحق جلاوزة النظام المتوسلات بأبنائهن ويزجونهن في غياهب السجون. ولكن من أجل إطلاق سراح 48 إيرانياً محتجزين لدى الجيش السوري الحر، تبرع نظام الأسد بإطلاق سراح، ليس مائة بل 2135 معتقلاً تفانياً في خدمة طهران وطلباً لرضاها وطمعاً في سخاها. والعجيب أن لدى الجيش السوري الحر أسرى سوريين من جنود النظام، لم يأبه بهم الأسد ولم يبادر لمبادلتهم بمعتقلين لا في أيام رمضان ولا في العيد ولا في أي يوم، ولكن من أجل عيون طهران بادر بإطلاق الآلاف. وهذا الحدث يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن طهران تدير نظام الأسد وهي التي تقرر كل سلوكياته وإجراءاته ومواقفه وأقواله. ولا يهم طهران أن يموت السوريون بعشرات الآلاف أو أن يعتقلوا بعشرات آلاف أخرى في سجون النظام أو يحتجزوا أسرى لدى الجيش الحر. لكن حينما تعلق الأمر بمواطنيها أمرت النظام بأن ينصاع لمطالب الثوار ويطلق سراح آلاف من أجل تحرير عشرات الإيرانيين. مما يعني أن نظام الأسد في سوريا ليس إلا عنوان وواجهة إعلامية ونظرية للفعل الإيراني الحقيقي في الأرض السورية. وفي الحقيقة فإن إيران أرسلت إشارات إلى دول العالم بأنها هي المتصرفة في الشأن السوري، وهي التي تقرر متى تشعل المدن السورية بالنار وتحدد أين يهاجم جنود النظام، وهي التي تمد النظام بالأسلحة والميليشيات وكل الأدوات القذرة لإيقاد حرب طائفية في أرض الشام، حيث تطبق طهران نفس الاستراتيجية الطائفية العرقية التي دمرت العراق، ونفس الاساليب العدوانية الوحشية القاسية يطبقها النظام الآن في سوريا، طبقا لما يخططه المستشارون الإيرانيون. وليس غريباً أنه، على الرغم مما يفعله الإيرانيون في سوريا، فإن رأس النظام لا يزال يجرؤ، بلا أي خجل، يتحدث عن الاستقلال السوري والوطنية السورية والهوية العربية لسوريا. وهو أول من اغتال العروبة ورهن سوريا لدى طهران وجعلها مركز عمليات إيرانيا ضد الأمة العربية، وتدير نظامه وتزوده بالتعليمات والخطط والاستراتيجيات، مما يمثل استعماراً أجنبياً أعجمياً علنياً لسوريا، في وقت دفنت شعوب الأرض حقبة الاستعمارات ونعمت باستقلالاتها.