الكذب من الصفات الذميمة التي أصبحت من العادات الحياتية التي لا يكاد يخلو منها أي إنسان، فأغلب الناس إن لم يكن كلهم، يمارسون الكذب بشكل يومي سواء كان أبيض أو أسود، وفي فهمي أن الكذب غير قابل للتلوّن فهو في الأخير مخالفة للحقيقة مهما كانت عظيمة أو بسيطة، وبحسب خبراء علم النفس فإنه لكي يكذب الإنسان يحتاج لقدرات ذهنية عالية من تفكير جيد وذاكرة قوية ومنطق متطور وخيال واسع وتبريرات جاهزة، وقدرات نفسية وانفعالية مثلًا للتحكّم بمشاعره، وتعابير وجهه، وتصرّفاته وتكييفها حسب الوضع الذي يخلقه، وقديمًا استخدمت اختبارات بدائية لكشف الكذب، منها ما كان شائعًا في الصين مثلًا بأن يعطى المشتبه فيه حفنة من الأرز المبلل ليضعها في فمه فإذا سال لعابه وابتلع أو بصق الأرز فهو يكذب. فالفكرة في حد ذاتها قائمة على وضع الشخص في حالة نفسية تقترب من التوتر لاستخلاص الحقيقة منه، وكان الكذب من القضايا المهمة التي شغلت الفكر الإنساني، وتطوّرت أدوات اكتشافه على مرّ التاريخ، حتى ظهر في الطفرة التكنولوجية الحديثة أول جهاز لكشف الكذب، وكان العالم تشيزاري لومبروزو أول مَن استخدمه سنة 1895م، وفكرة الجهاز تقوم على تسجيل التغيّرات التي تطرأ على أجهزة الجسم اذا ما عمِد الإنسان الكذب مثل التغيير في سرعة نبضات القلب واختلاف سرعة التنفس وضغط الدم. يبدو أن جهاز كشف الكذب ضرورة لهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» وليس من أجل جامعة الملك عبدالعزيز، فنحن في إطار تجربة واقعية وليس دراسات علمية تتعامل مع فرضيات وتقدير مشكلات بحثية. ويبدو أن الاهتمام العالمي بكشف الكذب لم يحرّك ساكنًا في مجتمعاتنا المحلية، فلم يكن من القضايا المهمة بالنسبة لهم، وبالرغم من كون الاستخدام العالمي لهذا الجهاز مضى عليه ما يقارب القرن من الزمن، إلا أن الجهاز لم يصل للسعودية سوى منذ بضعة أيام، حيث كشف عميد كلية التربية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور سعيد الأفندي عن وصول عددٍ من الأجهزة الحديثة إلى الكلية تخصّ قسم علم النفس أبرزها جهاز البوليغراف (كشف الكذب)، وهو الجهاز الأول من نوعه في السعودية موضحًا أن استيراد هذه الأجهزة جاء للحاجة الملحّة لإنشاء معامل علم النفس في كلية التربية وحيث إن الكذب هو المحرّك الأول لأي جريمة أخلاقية وهو بوابة الفساد، فأعتقد ونظرًا لهذه الإحصائية أن هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) هي الأولى باستخدامه من جامعة الملك عبدالعزيز، ففي إحصائية وردت في شهر أغسطس بأن المحكمة الإدارية (ديوان المظالم) أنجزت 11256 دعوى من أصل 14620 تختص بجرائم الرشوة والاختلاس والتزوير والمحسوبية وسوء استعمال السلطة واستغلال النفوذ بعد أن رافعت هيئة الرقابة والتحقيق، وهي جهة الادعاء عن الدولة، ضد المتهمين بتلك المخالفات أمام المحكمة الإدارية في الوقت الذي ما زال فيه 3364 قضية تحت النظر ولم يتم الفصل فيها، وهنا أتساءل إذا كانت هذه الإحصائية ناتجة عن فساد عام واحد فقط، فما مقدار الفساد في إداراتنا؟ وكم جهاز كشف كذب نحتاجه للكشف عن كذب المفسدين من المسؤولين في هذه الدوائر؟ يبدو أن جهاز كشف الكذب ضرورة لهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» وليس من أجل جامعة الملك عبدالعزيز، فنحن في إطار تجربة واقعية وليس دراسات علمية تتعامل مع فرضيات وتقدير مشكلات بحثية. twitter@sukinameshekhis