في السنة الثانية من الجامعة دخل علينا أحد المحاضرين في مادة كانت من ضمن المواد الاختيارية المقررة علينا، فأخرج سبعة طلاب وأخبر أولهم وحده بمعلومة، وطلب منه نقلها فقط للطالب الثاني دون علمنا او علم بقية الطلاب الخمسة الآخرين، ثم طلب من الطالب الثاني نقل المعلومة إلى الطالب الثالث دون علمنا او علم البقية من الطلاب وهكذا بنفس الطريقة حتى وصلت المعلومة للطالب السابع، وبعد ذلك أخرج الطلاب الستة من القاعة الدراسية وأبقى الطالب السابع وحده معنا، ثم طلب منه إبلاغنا بالمعلومة، وبعد أن أبلغنا إياها طلب من أول طالب نقل المعلومة من المحاضر الدخول وسماع الطالب السابع وبعد ذلك قارن بين المعلومة الأولى والسابعة ووجد فرقًا بما يقارب 40 %، أي أن المعلومة تأثرت كلما زاد عدد الناقلين لها، فرفعت بي راغبًا بمداخلة وقلت «معناها يا دكتور لو تضاعف العدد فستتضاعف النسبة يعني لو أصبح عدد الناقلين ما يقارب 20 ستتغيّر المعلومة تمامًا» فقال نعم هذا صحيح. حين تذكّرت هذه الواقعة تذكّرت الشائعات التي تسري في مجتمعنا بمختلف أنواعها سواء كانت موسمية أم مؤقتة أم أكل عليه الدهر وشرب و«تفنجل» أيضًا. كثير من الأخبار الكاذبة تتداول بشكلٍ هائل، ولا يستفيد منها إلا شركات الاتصالات فقط، فمثلا شائعات كتهريب كميات ضخمة من الدجاج واللحوم بحمولة ناقلات عملاقة إلى الأسواق، وكأنه لا توجد أي جهاتٍ رقابيةٍ أبدًا وكأننا في غابة لا نظام يُديرها، نعم هناك تجاوزات كهذه، ولكن يستحيل ان تكون بهذا الكم الهائل أو هذه الكيفية غير المعقولة. تذكرون في كل عام تأتي شائعة معتادة قبل نهاية العطلة بأن هناك أنباء أكثر من مؤكدة بأن العطلة ستمتد لزمنٍ إضافي وكثيرًا ما سمعنا «الفبركات والبكش» حينما يقول أحد «أخوي مدرس ووصلهم خطاب بتأجيل الدراسة»!! وكأن أخاه مدرس في جزر الواق واق ونحن في جزر الكاريبي وليس في بلد واحد. في كل عام أكثر من مرة نسمع شائعة جديدة عن امتيازات لموظفي الدولة وسلّم جديد، وفي كل عام تتردد هذه الشائعات ومع ذلك يتناقلها الناس وأكثرهم يعلمون أنها غير صحيحة. كلما قرب التشكيل الوزاري وتغيير مناصب المسؤولين تتداول قوائم بالتعيينات وكأن مَن ينشرها هو مَن سيقوم يتنفيذ أوامر تلك التعيينات وتصبح حديثًا للمجالس، ثم حين يحين موعد التشكيل لا تصدّق تلك التداولات ولا حتى 1%، ومع ذلك في كل مرة يتداولها كثير من الناس ويضحكون على أنفسهم بأنهم يصدّقونها. كثير من الأخبار الكاذبة تتداول بشكل هائل، ولا يستفيد منها إلا شركات الاتصالات فقط، فمثلا شائعات كتهريب كميات ضخمة من الدجاج واللحوم بحمولة ناقلات عملاقة إلى الأسواق وكأنه لا توجد أي جهات رقابية أبدًا وكأننا في غابة لا نظام يديرها، نعم هناك تجاوزات كهذه، ولكن يستحيل ان تكون بهذا الكم الهائل أو هذه الكيفية غير المعقولة. هل نحن مجتمع «فاضي» إلى هذه الدرجة بأن نجعل وقتنا ينشغل بترويج مثل هذه الأخبار، كميات هائلة جدًا من الأخبار تأتي كل يوم إما عن شائعات أو أخبار كاذبة تشغل كل وسائل التواصل الاجتماعي. أليس من الواجب على كل منا أن يتأكد من أي معلومة ينقلها، وقد ورد في الأثر (كفى بالمرء كذبًا بأن يُحدِّث بكل ما سمع). سريان هذه الشائعة في المجتمع تخلق الكثير من البلبلة وتنمّ عن مجتمع اهتماماته محدودة وتشغله أمور تافهة لا يعلم عواقبها وآثارها على المديَين الطويل والبعيد. وقبل ان أختم، كنت مع أحد أصدقائي فسألني: ما هو مقالك لهذا الاسبوع فقلت سأخبرك العنوان «يا سارية»، وأقصد بها الشائعات التي تسري في المجتمع فقال هل هي «يا سارية خبّريني؟»، فقلت آمل ألا تخبرك بمزيدٍ من الشائعات.. ألقاكم الجمعة القادمة، في أمان الله. Twitter: @Majid_Alsuhaimi