أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ سؤال يناقض ما تعارف عليه الناس، فالمطر خير وحياة ونماء وهو في شبه الجزيرة العربية تحديدا ضيف تهل معه تباشير الفرح الأخضر للأرض والانسان والحيوان. ذاك السؤال طرحه بدر شاكر السياب في أنشودته الممطرة بالحزن بين طيات معانيها.. لن أتوقف إلا مع ذلك السؤال منها، وأتساءل بدوري: هل يناقض المطر طبيعته في بعض النفوس وبعض الأماكن؟ وهل هذا التناقض منه أو ممن يستقبله أو من الظروف المناخية التي تصاحبه؟ فالشمس تغيب والسماء تتشح بالسواد فينعكس سوادها على بعض القلوب قتضيق بالمطر.. وتحزن وكأنها تنبش في عقلها وقلبها عما يناسب ذلك الغياب لنور الشمس الذي نكون على موعد احتفال صباحي كل يوم.. نضيق بها أحيانا وشدة حرها ولكن ما ان تغيب حتى يزعجنا غيابها!! يحب بعضنا الشروق ويحب آخرون الغروب.. وهناك من لا يتآلف مع النهار بقدر تآلفه مع الليل ولكن هذا لا يغير حقيقة كل واحد منهما، فالأول بداية والثاني نهاية، الأول تعلن عنه الشمس، والثاني تعلن هي ايضا عنه ولكن برحيلها.. فأي حزن يبعث المطر ؟ سوى حزن الفقد وتغير الحال قبل يوم زارنا المطر «خرجت من صندوقي لأحتفي به وقفت تحت السماء استقبل زخاته ولكني ضقت بكميات الاسمنت التي تحيط بي أمامي وخلفي وعن جانبي القيت نظرة على ما حولي فوجدت بيوتا مهما كبرت تظل على شكل صندوق به بعض الفتحات للتنفس ولاستقبال ضياء الشمس من خلف النوافذ المزدوجة الزجاج والمسيجة بالحديد. تخيلت المنظر في الخارج لا يختلف كثيرا عما في الداخل بعض أشجار متباعدة وغابات اسمنتية من اليمين والشمال وأرض مشبعة بسواد الاسفلت! ألا يبعث كل ذلك الحزن؟ بلى يفعل .. فالمطر حالة من رضا ورحمة تستحق الاحتفاء ولكن كيف؟ هذا ما لا نعرف الوصول الى تحقيقه حتى وإن وجدنا الاجابة عنه. وذاك جانب من الحزن الذي يبعثه المطر. إنه حزن الفقد.. فقد الطاقة الشمسية التي تنعش الحياة وتطرق الابواب والنوافذ لتدعو الجميع للخروج للعمل.. للدراسة .. للنزهة، فالشمس إعلان فيه الوضوح والقوة شيئا كثيرا لا يشعر بقيمته إلا من يفقده في تلك الدول البعيدة التي ترتجف معظم ايام السنة من برد الثلج وتنتظر شعاع الشمس نادرا كندرة المطر هنا.. فغياب الشمس عنهم معظم أيام السنة أورثهم المرض، ففي السويد مثلا ترتفع نسبة المرضى النفسيين وترتفع نسبة الانتحار، فالحزن متربص بهم طالما امتد غياب الشمس عنهم.. تقول الخنساء عن أخيها الذي كان يملأ عليها الحياة : يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس وهي في هذا البيت تختصر كثيرا من الأقوال عن الشمس ومكانتها، فقد كانت ترى في وجوده الحياة والانبعاث اليومي الذي تبثه الشمس مع أشعتها كل صباح وعندما غيبه الموت صارت تذكره في الغروب وما بين الشروق والغروب حياة صاخبة بالحب بالفلاح بالعمل بكل ما كانت الخنساء تفتخر فيه بأخيها ولكنه عندما غاب هبط الليل بردائه الأسود وتكاسلت الخطى ومالت الأرواح للسكون اتنظارا لصباح يوم جديد وتألق شمسي جديد. يحب بعضنا الشروق ويحب آخرون الغروب.. وهناك من لا يتآلف مع النهار بقدر تآلفه مع الليل ولكن هذا لا يغير حقيقة كل واحد منهما، فالأول بداية والثاني نهاية، الأول تعلن عنه الشمس، والثاني تعلن هي ايضا عنه ولكن برحيلها.. فأي حزن يبعث المطر؟ سوى حزن الفقد وتغير الحال فخيرات المطر لا تعوض غياب الشمس وإن تهللنا له فرحا. Twitter: @amalaltoaimi