لم يكن لأصحاب تلك الدعوات التي أشرنا إليها فيما سبق أن ينفذوا بكيدهم لولا تفريط المسلمين في التمسك بمنهج السلف فالقرون المفضلة الأولى لم تسلم من محاولات توقعهم في ذلك الزلل إلا أن ثباتها على منهج سلف الأمة في الاستدلال البحث والنظر، أما الأجيال المتأخرة فقد سقط الكثير منها في الفتنة لما كثر فيها الخلل وفرط كثير من علمائها في إحياء ذلك المنهج ورد الناس إليه؛ إن الكيد بهذا الدين لم يتوقف عند هذا الحد بل كان الغرب يعلم أنه مهما كاد للإسلام فلن يكون كيده بالقدر الذي يكفيه لتبديله وتضليل أهله على الدوام، فالأجنبي ليس مأموناً عند المسلم، فالمسلم لا يرجو من الكافر خيراً، وطبعه الحذر من أفكاره، والأصل فيه عدم قبول ما يأتي منه، خاصة إذا كان شيئاً يتعلق بدينه، وهنا كان لا بد من صنيعة يصنعونها من أبناء المسلمين يحملون فكر المستشرق وتراثه وثقافته، ليعيش بفكره وفعله في الشرق وروحه وعقله مستشرقا من الغرب واغتنم من اراد عمل ذلك انبهار كثير من أبناء ومفكري ومثقفي المسلمين بحضارة الغرب المادية والعلمية والاقتصادية التي بلغت أوجها، والتنظيم الرائع الذي لا مثيل له في بلاد المسلمين، المتخلفة في كل ذلك، حاملين مع ذلك ثقافة الاستشراق، وقد سهل ذلك مهمة احتواء هذه العقول وتوجيهها التوجيه المطلوب للكيد بالإسلام وأهله فالعقل عقل ناشئ لم يلم بحقيقة الأمور، ومعرفة أغلبهم بالعلوم الشرعية ضئيلة إن لم تكن منعدمة، وذلك المستشرق الغربي المجند لفتنة هؤلاء الفتية يتعامل بأحسن الأساليب والأخلاق التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب حتى انطلت الحيلة، وصنعوا من هؤلاء الفتية ما يحقق لهم أهدافاً كثيرة عجزوا عن تحقيقها بالوسائل السابقة، فغرسوا فيهم تعظيم حضارة الغرب وفكره وثقافته دون تمييز بين الحق والباطل من ذلك، بدأ المسلمون مرة أخرى يقبلون على الإسلام يعتصمون به وبمن دعا إليه صحيحا من علمائه فارتفع صوت الحق، وانتشر في كل بلاد المسلمين، وأقبل الناس على علمائهم الصادقين، وصار من يدعو لثقافة الغرب جملة وتفصيلا مكروهاً منبوذاً وكذلك الغرب نفسه ليس لضلال أفكاره ومبادئه فحسب، بل لجبروته وطغيانه، حيث شاهد المسلمون تدمير الغرب لبلادهم، وتسلطهم على خيراتها، ومنعها من التقدم والازدهار . وأوهموهم أن ذلك الفكر المنحرف لا يتعارض مع الإسلام، وإنما هو باب من أبواب تنوع الحضارات والثقافات فرجعت هذه الفئة إلى بلدانهم متشربين ومتشبعين بتلك الأفكار معظمة لفكر الغرب كله، وأن تقليده في كل شيء هو الطريق للتقدم وأنه يجب أن ينظر إليه نظرة مختلفة، تختلف عن نظرة احتمال الكيد للإسلام فنادى بعضهم بالمساواة بين الأديان اليهودية والنصرانية والإسلام، وقبولها على أنها كلها أديان صحيحة، وأنه لا فضل لبعضها على الآخر وبدأ هذا الفريق المصنوع بأيدي الفكر المستشرق الماكر يدعو إلى مذاهب الغرب، إلا أن محاولاته باءت بالفشل أيضا لتنبه المسلمين إلى حقيقة هذه الدعوات، ورأوا أن الغرب نفسه جاء للترويج لمبادئه لكن بألسنة أبناء المسلمين، وهم وإن كانوا قد خدعوا بتلك الأفكار فترة من الزمن إلا أنهم مع مرور الزمن ظهرت للمسلمين حقيقة حالهم، وعلموا أن هذه الفئة ما هي إلا مروجة للمبادئ المنحرفة والتبعية الغربية العمياء فنبذوهم ونظروا إليهم بأعين الريبة والحذر، كما نظروا من قبل إلى الغرب نفسه في دسائسه وأفكاره، فبدأت بضاعتهم تبور وسوقهم تكسد، وبدأ المسلمون مرة أخرى يقبلون على الإسلام يعتصمون به وبمن دعا إليه صحيحا من علمائه فارتفع صوت الحق، وانتشر في كل بلاد المسلمين، وأقبل الناس على علمائهم الصادقين، وصار من يدعو لثقافة الغرب جملة وتفصيلا مكروهاً منبوذاً وكذلك الغرب نفسه ليس لضلال أفكاره ومبادئه فحسب، بل لجبروته وطغيانه، حيث شاهد المسلمون تدمير الغرب لبلادهم، وتسلطهم على خيراتها، ومنعها من التقدم والازدهار فنشطت الدعوة إلى الإسلام وكثر أتباعها، فمن لم يكن فيها، فلا أقل من أن يتعاطف معها، وبدأت الخسارة تحيق بالفئة المستغربة المصنوعة بأيدي المستشرق الغربي، وبدأ الناس ينفضون عنهم ويقبلون على من يقول: قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم على منهج سلف الأمة في البحث والنظر والاستدلال؛ وللقصة بقية تتبع. [email protected]