منذ اندلاع المظاهرات في دوار اللؤلؤة في المنامة وأنا أراقب تطورات المشهد السياسي البحريني بعين الحذر والترقب والارتباك والدعوة بصدق إلى عودة الحياة إلى طبيعتها في كافة مناطق البحرين. المجتمع البحريني بما عرف عنه من حس مدني راقٍ وانفتاح ثقافي واجتماعي واقتصادي ملحوظ أعتقد أنه قادر على تجاوز هذه الأزمة والخروج منها منتصراً بمكتسبات مشتركة تؤسس لمرحلة سياسية جديدة تلبي بشكل أكبر مطالب الشعب البحريني السياسية والإصلاحية على أسس متينة من المبادئ والممارسات المدنية والتوافق الاجتماعي البعيد عن منزلقات الاستقطابات الطائفية البغيضة التي بدأت تطل برأسها للأسف في أروقة عدد من مدارس البنات وبعض المحلات والأنشطة التجارية في المجتمع البحريني. لن أخوض في الشأن السياسي البحريني بشكل مفصل وكلي يقين أن هناك عوامل التقاء مشتركة كثيرة جداً ما بين «دوار اللؤلؤة» وساحة «مسجد الفاتح» كفيلة باستعادة الأمور إلى نصابها بما يحفظ للبحرينيين دمهم وأمنهم واستقرارهم و يسهم في استمرار نموهم الاقتصادي الذي بدأ يتأثر سلباً بتبعات استمرار المظاهرات والمسيرات والخلل في انتظام دورة العمل. هذا إلى جانب التأثيرات السلبية المباشرة وغير المباشرة التي ستلحق بجذب الاستثمارات الأجنبية وبخاصة المالية منها والركود الذي أصاب قطاع السياحة والفندقة في مقتل على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية. المنامة، بعد افتتاح جسر الملك فهد أصبحت بالنسبة للكثير من قاطني المنطقة الشرقية متنفساً مدنياً رحباً ومقصداً سياحياً وترفيهياً وثقافياً يصعب الاستغناء عنه في يوم وليلة بسبب انتفاء الخيارات العملية الأخرى والتي من ضمنها القرب الجغرافي. أسواق المنامة وفنادقها وصالات السينما والمهرجانات الثقافية والغنائية ومعارض الكتب والمؤتمرات التي تحتضنها غدت ضمن الخيارات المحببة جداً بالنسبة للكثير من قاطني المنطقة الشرقية وبخاصة في عطلة نهاية الأسبوع. لذا فلا غرابة أن يتردد حالياً في المجالس وبين أفراد الأسرة الواحدة هنا في المنطقة مدى الفراغ والملل الذي بدأ يتسرب إلى عطلة نهاية الأسبوع لديهم من دون الذهاب إلى المنامة ولو مرة واحدة في الشهر أو الشهرين. المنامة لها جاذبية خاصة وفريدة، فعلى الرغم من أنها من بين أقل العواصم الخليجية من ناحية المداخيل البترولية وما تستتبعه من ثروات ونمو اقتصادي، إلا أنها تقف سامقة في مقدمة العواصم الخليجية في مدى انفتاحها المدني والثقافي والاجتماعي. أنشطة وفعاليات المنامة بغض النظر عن نوعيتها غالباً ما تتوشح بحس مدني متباسط تشعر به بمجرد عبورك الجسر أو الوصول إلى مطار البحرين الدولي أو حتى أثناء تناول طعام الغداء أو العشاء مع أفراد عائلتك أو أصدقائك أو زملاء العمل. هذا المكون الاجتماعي أو النفسي المتسامح الايجابي لربما يكون السر في هذا الانجذاب أو التفضيل الذي تحظى به المنامة و الذي عبر عنه أحد الأصدقاء بقوله أنا أفضل كثيراً في وقت فراغي تناول قدح من القهوة أو الشاي مع رأس معسل في أحد مقاهي المنامة عنه هنا ! فسألته وما الدافع في أن تقطع مسافة 25 كيلومتراً وتعاني من زحمة عبور الجسر لتتناول قدح قهوة يمكنك تناوله في أحد مقاهي الخبر أو الدمام ؟ فرد علي بإجابة هادرة يا عزيزي السر لا يكمن في نوعية القهوة أو كيفية اعدادها و انما بالشعور والجو الذي يرافق تناول كوب القهوة والمناظر العابرة التي تصادفك أثناء جلوسك في المقهى أضف إلى ذلك ضمانة عدم تلاسن الزبائن ما بين مؤيد ومعارض لتشغيل الموسيقى من عدمه أو مضايقة النساء والشباب وفرض الوصاية عليهم كالذي حدث مؤخراً في معرض الرياض الدولي للكتاب مثلاً !! يا عزيزي الإنسان مجموعة مشاعر وأحاسيس ورغبات تتعدى في تعقيداتها وتفاعلها صحن الطعام أو كوب القهوة !! [email protected]