ظل أعداء الإنسانية ودعوة الرسل الكرام يتتابعون على منوال الشيطان وأتباعه يتربصون بمن آمن، ويقعدون بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا، يستعملون القهر والكبت والترهيب والتعذيب لإطفاء نور الله تعالى، ولكن كانت جهودهم تبوء بالفشل، فلم يزل الناس يعودون إلى الدين تائبين مؤمنين بما نزل من الوحي، هنالك نظر أعداء الدين والفطرة عن سبب عودة الناس إلى الصراط السوي فإذا هو بقاء دينهم سالما من التحريف والتأويل والتبديل كان السبب الذي يعصم الناس حين رجوعهم إليه، فكان صفاء العقيدة وسلامة الدين من التحريف هو المرجع الآمن للناس حين رجوعهم إليه فعرف الأعداء أنه لن يتحقق لهم النجاح في الاستحواذ على المؤمنين ما دام دينهم وعقيدتهم صافية نقية سالمة تظل تمدهم بالإيمان الصحيح حين الرجوع اليه وتحملهم على الثبات عليه والاعتصام به صحيحا سالما فهو سبب رجوعهم وسبب قوتهم حين عودتهم إليه، فلا بد إذن من الهجوم على الدين ذاته، لإفساد ذلك المعين الذي يتلقى منه المؤمنون الارادة الصحيحة بالرجوع اليه والعقيدة الصحيحة والثبات والتوبة، حتى إذا ما أراد المؤمن أن يعود ليتعلم الحق والإنابة والتوبة والإيمان الصحيح ليصحح ما اعتراه من زلل لم يجد إلا دينا محرفاً يأمره بالمنكر وينهاه عن المعروف، ويدعوه إلى الشرك ويحذره من التوحيد فيضمنون بذلك أبداً تدمير المرجع الأصيل الذي يعتصم به المؤمنون ويرجعون إليه في كل حين فسعوا بالتحريف للكتب المنزلة، حتى حرفوا آخر التوراة والإنجيل، فلم تعد مصدر هداية، فهلك اليهود والنصارى بذلك، إذ صاروا متدينين بدين محرف، يقرؤون التوراة والإنجيل محرفين على أنهما من عند الله ويتعبدون بهما، ويحسبون أنهم على شيء وهم على الضلال المبين، وهكذا نجح أعداء الإنسانية والدين في أن يزينوا لأتباع الديانتين أنهم على دين ارتضاه الله تعالى وهم على الباطل، فضمنوا بذلك التدمير الأبدي لليهودية والنصرانية فمهما أراد النصراني أو اليهودي أن يتوب أو يصحح مساره فليس أمامه إلا ذلك الدين المحرف، فيبقى كما هو وربما ارتكس للأسوأ في عقائد باطلة، فيظل ينتقل من خطأ إلى خطأ، ليس أمامه طريق مستقيم، ولا مصدر صحيح يهديه إلى الحق فأرسل الله تعالى بعد ذلك خاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، يأمر الناس بالحق ويعيد الناس إلى التوحيد والصراط المستقيم ويخالف أهواء الذين لا يوقنون، فأقام الله به الملة وأظهر به التوحيد والسنة والحق والعدل في الأرض وصدقه واتبعه من شاء الله هدايته، وكانوا من بعده حملة الدين المؤتمنين على إبلاغ شريعته الحنيفية السمحاء وهم باقون بإذن الله إلى قيام الساعة هناك جدد الشيطان وجنده استنفارهم الحرب على الدين القيم فجربوا القوة والقتل والقهر والأذى أيضا، فلم يفد ذلك شيئا بل زاد ذلك الناس تمسكا بدينهم فعادوا يريدون تحريف الدين فامتنع عليهم القرآن الذي عجزوا عن أن يأتوا بمثله، وما استطاعوا أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه شيئاً، فاتجهوا إلى السنة، ظانين أول الأمر أنها الطريق لتحطيم الدين وتحريفه، فوضعت الأحاديث المكذوبة وأكثر منها الوضاعون وروجها الوعاظ، حتى أن أحد الزنادقة الوضاعين وضع ما يقارب أربعين ألف حديث في الدين مكذوبة، فقيض الله لذلك أهل الحديث ونقاده الذين تصدوا لهذا الهجوم فميزوا الصحيح من الضعيف ووضعوا القواعد المتينة للتمييز بينهما، فنخلوا المتون والأسانيد، وميزوا الحق من الباطل، وسد الله بهم ذلك الباب، وتحقق وعد الله تعالى بحفظ الدين الذي أنزله وصدق وعده سبحانه ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لقد امتنع عليهم تحريف القرآن كما امتنع عليهم خلط سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ الله ووعده. ولهذا الحديث تتمة. [email protected]