تواصلت أمس، حمى التوتر السياسي الذي ضرب أنحاء عديدة في مصر، نتيجة قرارات الرئيس محمد مرسي، وإعلانه الدستوري الذي يبدو أنه صب الزيت على نار الغضب المتصاعد، منذ الخميس الماضي، وعاشت مدن ومحافظات مصرية - منذ الليلة قبل الماضية - أجواء حرب حقيقية، امتدت لتشمل إحراق مقار حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في مدن القناة الثلاث، بورسعيد والاسماعيلية، والسويس، وامتدت شمالاً لتشمل إحراق مقرين للحزب في الإسكندرية، لتتكهرب بشكل عنيف في مدينة المحلة الكبرى في قلب الدلتا، قبل أن تصل إلى صعيد مصر وتحديداً في محافظة أسيوط، لتدخل البلاد في دوامة غير مسبوقة، استعداداً لمليونية مقررة بعد غد الثلاثاء. دعوة الجيش للتدخل الرفض غير المسبوق لقرارات الرئيس، استدعى توافق كافة القوى السياسية، التي وجهت إنذاراً للرئيس، تكلل بدعوة صريحة للقوات المسلحة للقيام بواجبها و "الانقلاب" على الرئيس، الدعوة وجهتها الجمعية الوطنية للتغيير، سبقتها الليلة قبل الماضية رسالة من الدكتور محمد البرادعي لمرسي، طالبه فيها بسحب قراراته الأخيرة، محذراً من مغبة الاستمرار فيها. ففي واقعة تعد الأولى - التي يحرض فيها حزب سياسي أو قوة وطنية القوات المسلحة على الانقلاب على شرعية رئيس الجمهورية المنتخب - دعت الجمعية الجيش للإطاحة بحكم مرسي لوقف ما سمته الانقلاب الإخواني للانقضاض على كل مؤسسات الدولة، معتبرة أنها ستخوض هذه المعركة حتى الموت، وأعلنت الجمعية في بيان شديد اللهجة، أن هذه المعركة معركة القرارات الأخيرة هى معركة القوى الثورية الأخيرة، "فإما النصر أو الشهادة" مجددة تأكيدها على سلمية تحركاتها وأن وفاءها لدماء الشهداء الأبرار يفرض عليها الدفاع عن الثورة التى وصفها العالم بأنها الأعظم فى تاريخ البشرية، واتهمت الجمعية في بيان أصدرته مساء الجمعة مكتب الإرشاد، بقيادة ما وصفته ب "المؤامرة" بالتواطؤ مع أمريكا والقوى الرجعية فى المنطقة التى تستهدف الدستور ودولة القانون ومؤسسات وأجهزة الدولة المصرية العتيدة، مشيرة إلى أن هذه المؤامرة لن تمر إلا على أجساد الثوار الذين ضحى المئات من أطهر وأنبل شبابهم بالأرواح والدماء ونور العيون من أجل بناء نظام ديمقراطي تتحقق فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتنمية. دعوى لوقف الرئيس ليس هذا فقط، بل إن دعوى قضائية أقيمت أمس السبت، أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، طالب المدعون فيها بإيقاف الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية عن العمل، لمخالفته اليمين الدستورية، وبوقف تنفيذ وإلغاء الإعلان الدستورى الذى أصدره رئيس الجمهورية الخميس الماضي، ووفق موقع "اليوم السابع" أكد مقيم الدعوى التى حملت رقم 9477 لسنة 67 قضائية، أن هذا الإعلان الدستوري باطل ومنعدم وفيه اغتصاب للسلطات، ونسف لمفهوم الدولة، وانقلاب كامل على الشرعية، واستحواذ غاشم على كافة سلطات الدولة، حيث كرس الدكتور مرسي لنفسه حكم الفرد المطلق، وتاجر بدماء الشهداء والمصابين عن طريق تمرير مطلب ثوري وسط حزمة من القرارات الاستفزازية، فى مخالفة صارخة للدستور والقانون واليمين الدستورية التى أقسم عليها رئيس الجمهورية أمام المحكمة الدستورية. بيان مجهول بموازاة ذلك، تضمن بيان وزعه مجهولون، في ميدان التحرير، وحمل توقيع "ضباط في الجيش المصري" تأييداً للتظاهر ضد الرئيس ومن سموهم "تجَّار الدين"، وقال البيان : "نحن الآن نوجه أول نداء يصدره الجيش للشعب، باعتبار الشعب مصدر الشرعية الوحيدة للوطن : نقسم بالله أننا لسنا خونة ولسنا عملاء لأجندات أحد. نحن أبناء مخلصون للوطن نحمي مصر بأرواحنا"، وأضاف البيان "لقد استطاع الخونة أن يوقعوا بيننا فما كان منا إلا أن تركناكم ترون الحقيقة بأنفسكم. لقد حمينا ثورتكم وهتفتم ضدنا ومات منا من مات في الثورة ولم نعلن عن ذلك، وقُتل من جنودنا في رفح في رمضان وعندما أردنا ان نثأر لهم عزلوا قادتنا وأوهموكم بأن الجيش خائن للشعب". استمرار الاعتصام وبينما توالى اعتصام أكثر من 20 حزباً وائتلافاً ثورياً في ميدان التحرير لليوم الثاني على التوالي أمس، مطالبين بإزاحة مرسي، سرت مخاوف من دخول البلاد في نفق مظلم، خاصة أن الاتهامات تصاعدت للرئيس بأنه لم يعد رئيساً لكل المصريين كما قال قبل ذلك وأنه ليس إلا رئيساً لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة عقب خطابه أمام مؤيديه الذين تجمعوا في حافلات من محافظات عدة الجمعة أمام قصر الاتحادية، ولم يوجه هذا الخطاب للأمة عبر وسائل الإعلام، واعتبروها زلة أخرى، تضاف إلى "الزلات غير المحسوبة" التي قام بها أكثر من مرة، دون دراسة مثل قراريه السابقين بحل مجلس الشعب، وإقالة النائب العام، قبل أن يعود عنهما لاحقاً. غضب قضائي واستقالات بالتوازي أيضاً، اشتعلت حدة الغضب القضائي، ما اعتبر تقويضاً للسلطة القضائية، وهدماً للمحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة، وأعربت محاكم عدة عن تعليق العمل في محافظات الإسكندرية والبحيرة، فيما يقال: إن قضاة المحكمة الدستورية العليا يبحثون اتخاذ مواقف "جادة" لوقف ما يعتبره القضاة مهزلة. من جهته، أعلن مجلس القضاء الأعلى أن الإعلان الدستوري الذي صدر الخميس يتضمن اعتداء غير مسبوق على استقلال القضاء وأحكامه، وأشار مجلس القضاء الأعلى - في بيان عقب اجتماعه الطارىء ظهر السبت - إلى أن المجلس يرفض هذه القرارات ويدعو للتراجع عنها تلافياً للأزمة. إلى ذلك، قرر المستشار علي الهواري المحامي العام لنيابات الأموال العامة ترك منصبه رسميا والعودة الى منصة القضاء، احتجاجاً على قرارات الرئيس، وأفادت مصادر قضائية بأن بعضا من القيادات في نيابة الأموال العامة سوف يسلكون نفس المسلك.كما أصدر عدد من قادة ما يعرف ب "تيار الاستقلال داخل القضاء" بيانا أعربوا فيه عن رفضهم الإعلان الدستوري والقرارات التي أصدرها الرئيس، معتبرين إياها بمثابة "ردة لا مبرر لها وأنها جاءت على حساب الحريات والحقوق وأنها تقوض سلطة استقلال القضاء"، وقال البيان الذي صدر السبت، ووقعه 20 قاضيا من قادة وأعضاء تيار الاستقلال : إن "تحصين القرارات الرئاسية سواء السابقة أو اللاحقة ولو كان ذلك لمدة محددة، ليس هو السبيل المنتظر لدعم الديمقراطية، لأنه سيؤدي حتما إلى أولى الخطوات على طريق الاستبداد وليس الحريات"، مؤكدا أن "تطهير القضاء سبيله الوحيد القانون واحترام أحكامه، وأن استقرار الحالة الأمنية لن يكتمل إلا باحترام سيادة القانون وأحكام القضاء وليس الجور عليها". ورطة الرئاسة رغم ما بدا من ثبات الرئيس في كلماته أمام مؤيديه من الإخوان، عند قصر الاتحادية، الجمعة، وإعلانه استمراره في تنفيذ قراراته، إلا أن مصادر من داخل قصر الرئاسة، لم تخف استياءها من استقالة مساعد الرئيس سمير مرقس، التي اعتبرها البعض ضربة موجعة، في ظل ما يقال عن استياء كثير من مساعدي الرئيس من القرارات، وربما يقدمون استقالاتهم تباعاً، وقالت مصادر داخل هيئة مستشاري الرئيس : إن غالبية مستشاري الرئيس المصري محمد مرسي، متحفظون على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الخميس الماضي وسيطلبون منه تكليفهم بمراجعة ما اتخذ من قرارات وطرح بدائل خلال 72 ساعة، حيث يفترض أنهم حسب المصادر اجتمعوا أمس السبت، ووفق الأنباء، فإنه " إذا لم تحدث استجابة لمقترحاتهم فإن أغلب المستشارين سيتقدمون باستقالتهم ويعتذرون عن الاستمرار في فريق مستشاري الرئيس"، وقد سبق لمستشار الرئيس الدكتور سيف عبد الفتاح، أن قال: من الأفضل تعديل الإعلان الدستوري، بإصدار مذكرة توضيحية وليس إلغاءه بالكامل. كما أبدى عبد الفتاح تحفظه على "صناعة القرار" بعيدا عن مستشاري الرئيس، وكذلك على "تحصين" الرئيس قراراته الأخيرة من أي طعن قضائي بموجب صلاحية التشريع التي يحوزها حاليا. مصادر من خارج القصر، أشارت إلى فشل الطاقم الاستشاري الرئاسي في التعامل مع الأحداث، بل إن شخصيات سياسية وعامة اعتبرت هؤلاء هم من يورطون الرئيس نفسه، ذاهبين لأبعد من ذلك، بالقول : إن ارتباكاً كبيرا يحدث الآن داخل القصر الجمهوري، للبحث عن مخرج لائق، إن حدث سيكون الثالث في سلسلة قرارات اعتبروها طائشة. رأي آخر، يبرئ الطاقم الرئاسي ( 17 مستشارًا وأربعة من مساعدي الرئيس ) بالقول : إن القرارات تأتي من مكتب الإرشاد بالجماعة، دون علم المستشارين، الذين ربما يكون أغلبهم فوجئ بكل ما يحدث، إلا أن السؤال الذي لايزال يحاصر هؤلاء : هل الرئيس مستعد فعلاً للتراجع ؟