قديما قالت العرب: «للناس فيما يعشقون مذاهب». وهذه حكمة عرفتها الثقافة العربية القديمة، ووجدت في ثقافات بشرية أخرى بمقولات مختلفة. ومن أجل ذلك صارعت كثير من الشعوب في فترات زمنية قديمة وحديثة، من أجل أن تحقق أهدافها في فرض إرادتها ومبتغاها في الحياة. لكن حياتنا في العقود الأخيرة سارت خلاف هذا المنحى البشري العام. إذ فرضت فئة تصورها للحياة على بقية الشعب، ومنعت عنه كل متنفس، وضيقت عليه كل واسع، إلى أن تحقق لها الفرج على يد قادة شجعان، لم يرضخوا لهيمنة تلك الفئة وبلطجتها الفكرية، فمنذ أعوام قليلة نفضنا عنا الغبار، وقبل قرابة العام ظهرت تغيرات اجتماعية إيجابية كبيرة في مجتمعنا السعودي، تبعا لقرارات الإصلاح التي قامت بها الحكومة في هذا العهد الجديد. وقد بدت سمات الثقة والتفاؤل تظهر على ملامح الشبان والشابات، وهم يتصدون لتحديات الحياة المختلفة بعزيمة وثقة لم تكونا موجودتين في الوقت الذي كانت إرادتهم فيها منزوعة، والوصاية عليهم قائمة. فقد أصبحت أرى الإشعاع في وجوههم، وهم يتحدثون عن أخذهم المبادرات بأنفسهم، وعن تكوين أنفسهم وتدريبهم على المهارات اللازمة لأي عمل يريدون القيام به، أو موقع ينوون التقدم إليه. أصبحوا في كل مكان كالنحل، والتفاؤل يملأ نفوسهم، وهمة الشباب تنضح من أقوالهم وابتساماتهم، التي كادت تختفي في الحقبة السابقة. فلم أكن – حقيقة – أعلم بمدى ما يكتنزه هؤلاء الشباب، إلا بعد أن رأيت هذه السمات المفرحة، التي اقترنت بأوضاع إيجابية مبهجة جدا، ومجال التنافس والإبداع أصبح كبيرا، كما لم تعد توجد هناك عدد من المنغصات، ومصادر الكآبة التي تحول بين المرء وتوجهه إلى الإبداع، وتمنعه عن إبراز طاقاته الكامنة خاصة فئة الشباب، التي أصبحت الفئات الأكثر تقدما في السن تحسدها على وضعها الجديد. وفي هذا العام أيضا حصلت ظواهر طبيعية متعددة، أبرزها كميات الأمطار الغزيرة، وفي موسم طويل غير معتاد في أغلب مناطق المملكة، خاصة في الجهات الشحيحة المطر في أغلب المواسم. وقد أصبح بعض المحللين يطلق على هذه التحولات بوادر لتغير مناخي قادم على شبه الجزيرة العربية، ربما تكون هذه السنة أولى مراحل حدوثه. وطبيعي أن يربط الناس في ثقافتنا بين صفاء النفوس ورضا الرب ونزول الأمطار والخير على البلاد. فقد اعتادوا أن يعدوا تلك علامات متوافقة على الدوام. وأجد في هذا التواؤم بين التغير المناخي والتغير الاجتماعي مناسبة لدعم حالات الفرح التي أصبحت تكتنف مشاعر الناس، وزيادة البهجة التي تضيف إيجابية إلى أوضاع الأفراد النفسية، بعد أن أصبحوا يغنون ويمرحون ويشاهدون الأفلام، ويسيرون في الشوارع دون وصاية، كبقية البشر في بلاد الدنيا الأخرى. فما أجمل أن ترى الأمطار والسيول والخضرة وابتهاج الأرض المصاحب لذلك من جهة، وكذلك البهجة على محيا الناس، وخاصة فئة الشباب منهم، في حبور وسرور لا مثيل لهما من جهة أخرى! وحتى لو لم يكن هناك رابط، فإني سأعمل بينهما رابطا، لكي أتصور بلدي تنمو طبيعتها في خير وبهاء، وتتصاعد سمات السعادة من وجوه النشء الصاعد في حب ونقاء، مما يجعلهم يتفاعلون بمزيد من الإيجابية لرفعة بلدهم ودعم مسيرته في التنمية.