من الرائع أن يعتمد مجلس الوزراء «لائحة الذوق العام»، خاصة وأننا نعاني، بحسب تصرفات البعض وأقوالهم وأفعالهم، من قلة ذوق نتجت عن سوء تربية أو استهتار. (قليل الذوق) بشكل عام لا يعير الآخرين اعتباره، ولا يهمه إلا نفسه وما ترغب بممارسته. هناك دائماً، في مسألة الذوق، خيط دقيق يفصل بين ما يخصك ويخص الآخرين الذين تشاركهم المسجد والمدرسة والسوق والشارع والمقهى وكل مكان يمثل ملكاً عاماً للجميع. كان من ملاحظاتي حين عايشت (الخواجات) لسنوات في بلدانهم أن بعضهم أقل نظافة ونظاماً وذوقاً في بيته، لكن لا يمكن أن تراه بنفس التصرف أو السلوك إذا كان في مكان عام، بمعنى أنه قد لا يرتب بيته أو ينظفه، كسلاً أو تهاوناً، لشهر كامل، لكن إذا كان بيده منديل في (المول) فإنه يبقى ممسكاً به إلى أن يجد حاوية نفايات يلقيه فيها، وإذا وقف في طابور احترم حق من سبقه. هذا يعني أنه يدرك أن ما هو في حدود ملكه وخصوصيته هو حر في التصرف إزاءه، لكن ما هو ملك للآخرين، ويخصهم كما يخصه، فهو مقيد بالسلوك الذي يفرض عليه تصرفاً معيناً؛ إن لم يخضع له حاسبه الآخرون بنظراتهم وامتعاضهم، وحاسبه القانون بما ينص عليه من جزاءات ضد كل ما يسيء أو يخدش الذوق العام. على هذا الأساس، أساس ما يخصك وما يخص الآخرين، يمكن أن نفهم لائحتنا للذوق العام حتى لا نقع في خطأ تفسير اللائحة، أو الذهاب ببعض بنودها بعيداً، أو الوقوع في التفسير الشخصي وتحميل اللائحة ما لا تحتمل. يعني لا يأتين أحد غداً ويتسلط على من يطيلون شعر رؤوسهم، أو من يلبسون (شورت) أثناء ممارستهم الرياضة، أو من تلبس عباءة ملونة وما إلى ذلك معتبراً مثل هذه السلوكيات متعارضة مع لائحة الذوق العام. هناك فرصة لخلط الحابل بالنابل ورفع قميص اللائحة في كل حالة ملتبسة بين ما تعنيه وما يقصده مُفسرها أو مُستغلها. وقد ظهرت بوادر هذا الخلط حين بدأ البعض يلمحون إلى حفظها لقيم المجتمع كما يرونها ويفهمونها على المستوى الشخصي أو الفئوي وليس على المستوى المجتمعي، فحذار من هذا الخلط وحذار من المقاصد الشخصية التي تخص أصحابها فقط.